لأول مرة، يخصص الكوليج دو فرانس الذي تأسس في القرن السادس عشر، &والذي يعد من أهم المؤسسات الأكاديمية في فرنسا، وفي العالم، كرسيا خاصا بتاريخ القارة الافريقية. ويأتي هذا القرار ردا على الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في العاصمة السينغالية داكار في عام2007 ، وفيه أشار إلى أن "الإنسان الإفريقي لم يدخل التاريخ بما فيه الكفاية". كما يأتي هذا القرار ردا على باحثين، وعلماء اجتماع، ورجال سياسة، لم ينقطعوا منذ أن أصبح الغرب سيد العالم عن تقديم حجج يصفونها ب"العلمية"، ومن خلالها يسعون إلى التأكيد على أن القارة الافريقية "بلا تاريخ"، وأن الشعوب التي تسكنها "بدائية" ،و"متوحشة"، بلا ثقافة، وبلا حضارة. ولم يكن هدف هؤلاء من خلال هذه الحجج الواهية والكاذبة، سوى تبرير اخضاع شعوب القارة الافريقية للهيمنة الاستعمارية، وتفوق الجنس الأبيض على الجنس الأسود...
ويشرف على الكرسي الذي أطلق عليه اسم &"تاريخ العوالم &الافريقية"، المؤرخ والباحث في الأركيولوجيا، البروفيسور فرانسوا كزافييه فوفال البالغ من العمر 51 عاما، والمعروف باطلاعه الواسع والعميق &على تاريخ القارة الافريقية، وعلى تقاليد وعادات شعوبها وقبائلها. وعن كل هذا أصدر العديد من الكتب، أشهرها: "الكركدن الذهبي. تواريخ القرون الوسطى الافريقية.
وكان فرانسوا كزافييه فوفال قد شرع مبكرا في الاهتمام بالقارة الافريقية. فقد أقام في التشاد وفي الكوت دي فوار في سنوات الطفولة والمراهقة &حيث كان والداه يدرّسان اللغة الفرنسية هناك. وبعد أن تخرج من قسم الفلسفة ، اختار دراسة التاريخ ليكون متخصصا في تاريخ افريقيا في العصور الوسطى. وقد قادته أبحاثه الكثيرة والمتنوعة إلى الإقامة في العديد من البلدان الافريقية مثل اثيوبيا، وافريقيا الجنوبية، والمغرب الأقصى حيث دَرَسَ الأحوال الاجتماعية لمنطقة سجلماسة، ولقبائل الصحراء الممتدة حتى السينغال، والنيجر.
وفي الدرس الافتتاحي الذي ألقاه في الثالث من أكتوبر الماضي، والذي حضرته شخصيات سياسية كبيرة بينها الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند، كما حضره باحثون ومؤرخون وعلماء اجتماع بارزون، تحدث فرانسوا كزافييه &فوفال في البداية عن الزيارة التي قام بها &الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة إلى مملكة مالي في صيف عام 1352. وخلال تلك الزيارة روى أنه شاهد أناسا يصلون ووجوهم باتجاه مكة، وآخرين يرقصون &على أنغام الطبول وعلى وجوههم الأقنعة التي تعوّدوا على استعمالها في الاحتفالات الفولكلورية. وأشار فوفال &إلى أن ما رواه ابن بطوطة يبطل ويدحض أفكار المؤرخين الغربيين الذي سعوا ويسعون من خلال أبحاثهم إلى تزوير تاريخ القارة الافريقية، ومحو ثقافاتها والحضارات التي عرفتها شعوبها في أطوار مختلفة من التاريخ. &وأضاف فوفال قائلا بإنه يمكن اعتبار &القارة الافريقية" مهد الانسانية".، وليست قارة بتاريخ جامد، وساكن كما حاول ويحاول مؤرخون &وسياسيون غربيون التأكيد على ذلك. & وبحسب رأيه &عكس خطاب نيكولا ساركوزي في داكار "فراغا مهولا" يعاني منه الأوروبيون بخصوص القارة الافريقية التي ساهمت بنسبة كبيرة في الحضارة الانسانية. كما انتقد فوفال الباحثين والمؤرخين الذي لا يهتمون &إلا بالحقبة التي كانت فيها القارة الافريقية &خاضعة للهيمنة الاستعمارية. أما قبل ذلك فقد كانت بحسب رأيهم "فضاء شاسعا وفارغا". لذا يتوجب على المؤرخين &والباحثين الغربيين أن يتخلصوا من "الكليشيهات"، ومن "الأفكار المسبقة" بحسب تعبير فوفال &لكي يتمكنوا من التحرر من الروئ المحدودة والضيقة التي تسم أبحاثهم بخصوص القارة الافريقية وشعوبها التي تتمتع بقدرات خارقة في الخلق والابداع. ويتوجب على الغربيين أيضا أن يكفوا عن الاعتماد عن التقارير التي أعدها الاداريون والعسكريون ورجال الشرطة حول القارة الافريقية خلال الحقبة الاستعمارية لأنها &في جلها "مزيفة"، و"ظالمة"، و"مخالفة للحقيقة والواقع".
وأشار فوفال إلى أن القارة الافريقية تتميز بثقافات وحضارات مختلفة ومتنوعة. ففيها قرابة 2400 لغة. وتدين شعوبها بأديان مختلفة، أبرزها الإسلام والمسيحية. &ويعكس تاريخها القديم نظما سياسية واجتماعية متعددة تدل على نضج ثقافي وحضاري.
وختم فوفال درسه الافتتاحي طالبا من الفرنسيين القطع مع النظرة "الدونية والاستعمارية والعنصرية" تجاه القارة الافريقية ،وشعوبها &قائلا:" لا بد أن يكون هناك مكان لتاريخ افريقيا في المجتمع الفرنسي. لم يعد باستطاعتنا أن نواصل رواية تاريخ المجتمع الفرنسي &كما لو أننا نروي تاريخ الأمة في ظل الجمهورية الثالثة. إن المجتمع الفرنسي هو الآن مجتمع يتميّز بتعددية مدهشة &في مجال الدين، والثقافات، ولون البشرة، والجذور، وهناك عرب، وماليون، وبولونيون، ومن جزر الأنتيّ ، وايطاليون... يتوجب علينا إذن والواقع على هذه الصورة أن نفتح الباب لشخصيات أخرى، ولأجداد جدد في رواية الأمة".&
&