النكوص عموماً هو سلوك العقل الرجعيّ نحو مرحلة نفسية سابقة، ونزوعه لاسترجاع آليات تلك المرحلة، والتي كان قد تخلَّى عنها سابقاً لعدم جدواها في حلّ مشاكله، واليوم عاد يأمل منها خيراً.
ومثال ذلك في أن يقوم البالغ بالتوسُّل في طلب شيء ما أو البكاء مُستجدياً الآخرين، تماماً كما يفعل الأطفال ظنّاً منهم أن بكائهم هو "عصاهم السحرية" في تحقيق رغباتهم! والنكوص أيضاً هو قيام الإنسان بسلوكٍ مُعيّن يُحيي مرحلةً نفسيةً سابقةً قد تمَّ "التثبيت السيكولوجي" عليها، أو على إحدى أدواتها، ويستحضر ألقَ تلك المرحلة. ومثال ذلك تدخين السجائر والرضاعة من الإصبع ووضع الأشياء في الفم (الأقلام مثلاً) والرغبة في التقبيل. ويعود هذا التثبيت إلى المرحلة الفموية أو ما يُسمَّى بـ"الاجتياف الفموي"، وهي إحدى مراحل النمو الجنسي - النفسي لدى الإنسان. حيث تتركّز الرغبة لدى الرضيع في منطقة الفم، ويكون هذا الفم هو وسيلته الوحيدة في تحصيل الشهوة. والرضاعة، على الرغم مما تُؤمّنه من غذاء وحنوّ، لها جانبها السلبي أيضاً، وهو فترات منع الثدي عن الطفل بسبب الشبع. فهنا يلجأ الطفل إلى الهلوسة وإلى تخيُّل الرضاعة لاستعادة وضعه المميّز. وبعد أن يبلغ المرء، يقوم بطمس كلّ هذه الرغبات وهذه الذكريات وغيرها، لكنها تعود لتُبعث من جديد على هيئة رغبة في الامتصاص ورغبة في وضع الشيء في الفم. وهذا التصريف المتأخّر للرغبة، ومحاولة الإشباع هذه، لا يقتصران على موضوع الثدي، بل يتقاطعان مع كلّ ما يؤدّي الغرض ذاته؛ أي مع كلّ الرغبات التي يمكن الحصول عليها عن طريق الفم، مثل استخدام الأنبوب في تناول المشروبات والإدمان على شرب الأركيلة. وقد يكون لبعض العادات الفموية أسباب أخرى، كأن يكون سبب المباشرة في التدخين هو محاولة توكيد الذات لدى المراهق (أنا موجود!)، ولكن ما يهمُّنا هو جذر المشكلة الأساسيّ والرغبة الأكثر جذباً للسلوك.

&باحث سوري في علم النفس التحليلي.