العُصاب الإكراهي هو إجبار الذات (من خلال الذات) على القيام بسلوك أو بنشاط ذهني معيّن يؤدّي إلى الشعور بالتوازن، وذلك بعد تعرُّض ميزان الأمان الذاتي للاختلال. ويتمّ تحصيل هذا التوازن إما ذهنياً وإما سلوكياً من خلال مجموعة من العادات المتكرّرة أو الأفكار التي تقود صاحبها إلى السكينة النفسية. إنَّ الأمان النفسي والخوف من فقدانه أو اختلاله هما "كعب أخيل" في العُصاب الإكراهي، أمَّا طقوس الاغتسال الإكراهي أو الترديد العصابي لبعض المفردات فليسا سوى الشكل النهائي للمشكلة ومجموعة من المحاولات اليائسة لاسترجاع الأمان النفسي المفقود أو المهدد بالضياع. وقد أثار هذا الموضوع فضول علماء النفس، ومن بينهم إيريش فروم الذي يقول في هذا الصدد: "يُبدي مريض العُصاب الإكراهي أشكالاً طقسيةً متعدّدة. لذلك فإن الشخص الذي تتمحور حياته حول الشعور بالذنب والحاجة إلى التكفير عنه مثلاً، قد يختار الإكراه الاغتسالي طقساً مهيمناً على حياته. والشخص الآخر الذي يتبدَّى إكراهه في التفكير لا في السلوك لديه طقسه الخاص الذي يرغمه على قول مجموعة من العبارات أو التفكير بها ظنّاً منه أنها تصرف عنه الأذى والبليّة أو تضمن له النجاح عندما يكون بصدد امتحانٍ ما". ويضيف فروم قائلاً: "إنَّ هذا التشدُّد المرضيّ في النظافة لا يختلف عن طقوس قديمة تتمحور
حول محاولة التخلُّص من الشرّ بطقوس النظافة وإمكانية العثور على الأمن في الإنجاز الصارم للترتيب الطقسيّ". سألني شخصٌ ذات مرّة عن سبب عدم شعوره بشعور النظافة؟ ولماذا لا يستنتج هذا الشعور (شعور أنه نظيفٌ الآن) حتى لو قام بالاستحمام مرّات عديدة في اليوم الواحد؟
والحقيقة أنه كانت لدى هذا الشخص خلفيات ابتزاز واختلاس أموال بمبالغ صغيرة وإخلال بالأمانة. ولذلك كان دائم الشعور بالقذارة (سيكولوجياً)، ويحاول غسل أوساخه تلك بالطريقة الخاطئة.
لكنَّ سعيه ذاك كان أشبه بمن يقوم بإسناد سلّمه على الجدار الخطأ! وبما أن مهمَّة التحليل النفسي بعيدة كلَّ البعد عن إطلاق الأحكام ونصب المحاكم الميدانية، بل إنها تتمثّل فقط في البحث عن سبب المشكلة ومحاولة الشفاء منها، نقول بأن العامل الشفائي الأول يكمن في فهم طبيعة المرض النفسي قبل كلّ شيء، ومن ثم النيّة الحقيقية في احتياز الشعور في المشكلة انفعالياً لاعقلانياً فقط. مقولة فرويد الشهيرة "الحقيقة تجعلك حراً" تأتي في المقام الأول، ومن ثمَّ يأتي الالتزام بمجموعة من الممارسات التي يحدّدها الأخصائي النفسي الذي يُشرف على الحالة بشكل مباشر.

باحث سوري في علم النفس التحليلي.