بقلم فؤاد بالضياف

"إلى أطفال تونس في كلّ مكان ، إليهم و قد حملوا أسئلة .. إلى تلك الحيرة التي شاهدتها في وجوههم الصغيرة تجاه غليان شارع بلدهم أيضا معنيّون به"&"عودة الورود ، صلاح بن عياد"

لعلّ الأدب يتّخذ حيّزا كبيرا من إهتماماتنا كقرّاء و ناشرين و أدباء ، فهو يحيط بجميع خياراتنا و إحتياجاتنا من متعة و تسلية و معرفة و ثقافة و تخيّل . فالأدب عموما يساعد كذلك على تنمية قدرات الطّفل من عدّة جوانب نفسيّة و معرفيّة ، و أدب الطفل فيتامينات للعقل و رحلة في عوالمه و توسيع لملكة الخيال عنده و إثراء للغته و ثقافته العامة.
ففي الوطن العربي ظهرت أولى بوادر الكتابة في أدب الطفل على يد أمير الشعراء أحمد شوقي و من بعد برز كامل الكيلاني لكن بعدهما لم نشهد إلاّ قلّة قليلة إختصّت في هذا الجنس الأدبي بمحاولات لم تدفع بأدب الطفل للوصول إلى غايته و ظلّت عاجزة عن إدراك الإبداع الأدبي و الإخراج الفنّي و التجسيد الدّرامي .
اليوم في تونس نشهد بروز كاتب يذكّرنا بشارل بيرّو و على خطى دنيال بناك ، كرّس قلمه للطّفل و هو الكاتب صلاح بن عيّاد الذي أصدر تسعة عشرة "19" عملا أدبيا موجّها للطفل . فكانت "رحلة رولا" و هي سلسلة متكوّنة من ثمانية "8" قصص أوّل إصداراته ، تلتها سلسلة "ريكو و ريكا" تتكوّن من ثمانية "8" قصص ، كما اشتغل كاتبنا بمجلة عرفان بتونس لسنتين تقريبا . في 2019 صدر لصلاح بن عياد رواية "عودة الورود" عن دار زينب للنشر و التوزيع و مؤخّرا ظهر علينا بإصداره الجديد "رواية دهليز القائد علي" و كلاهما عن نفس الدار و موجّهان للطفل و الناشئة و الأخيرة حاضرة في معرض الكتاب الوطني بتونس المنتظم من 19 إلى 29 ديسمبر 2019 .
في رواية عودة الورود إتّخذ صلاح بن عياد من شخصيات ك "البطل قرنفل" و "الشرّير شرّار" و "الشّيخ الحكيم" للإجابة عن أسئلة الطفل و إزالة حيرته إزاء واقع مبهم و ملغز ، بحبكة سرديّة فتحت خيال القارئ الصغير ليتابع مسيرة البطل قرنفل و محاولته إستعادة مدينة الورود من الشرير شرّار ، و كأنّ كاتبنا يحاول تفسير المشهد العام في تونس للطفل الذي وقع في حيرة إزاء ما يحدث في البلاد بعد الثورة و يعطي حلول للآباء و الأمهات للإجابة عن تساؤلات أبنائهم .
أمّا في إصداره الأخير "دهليز القائد علي" فإنّه يأخذنا لعالم بطل ملحميّ ، بطل تناقلت سيرته ألسن الناس حتى أصبح أسطورة شعبيّة في تونس و هو القائد علي بن عمّار العيّاري ، مناضل و مجاهد في وجه الإستعمار الفرنسي ، حيث يتوجّه صلاح بن عيّاد في هاته الرواية لأصدقائه الأطفال قائلا "و ما قصّتنا هذه سوى واحدة من تلك البطولات ، أوردناها بتفاصيل الأمكنة و بما أمكن من روائح الأرض ، فأرجو أن تصلكم يا أصدقائي و أن تساعدكم على حسن قراءة هذه الأرض".
تنقسم الرواية إلى ثمانية فصول في شكل أحداث تاريخية بدايتها سنة 1835 من مدينة مكثر أو مكتريم أو مكتريس ، إلى موفّى سنة 1883 لترسم لنا ملحمة مجاهد كان مثال للإخلاص و الوفاء لوطنه و محاربا في سبيل الحرّية و العزة و الكرامة .
لقد أخذ صاحب "عودة الورود" و "دهليز القائد علي" الطّفل لعالم الرّواية بأسلوب لغوي و حبكة سرديّة شيّقة تفتح خيالاته و تنمّي ثقافته و تحسّن مهاراته اللّغويّة ، لذلك نحن في حاجة لكتّاب مثل صلاح بن عيّاد ينهضون بأدب الطّفل في الوطن العربي ، بعد أن أضحى ضرورة ملحّة خاصّة و نحن في عصر لم تعد الأسرة وحدها المبرمجة لشخصيّة الطّفل و فكره .


ناشط ثقافي " مبادرة تونس تقرأ"
&