لا نبالغ إذا قلنا بأنَّ الإنسان نظامٌ تدعمه الفوضى وتحافظ على استمراره. ويصحّ أيضاً أن نقلب هذه المقولة لتصبح: الإنسان كتلة من الفوضى ظاهرها الانتظام. ويعتمد هذا الإنسان على نوعَيْن من التفكير: الشعوريّ ويُمثّل الأفكار والتصوُّرات المنتظمة، واللاشعوريّ وهو مجموعة كبيرة من الهواجس والأحلام والرغبات غير المنتظمة والفوضوية. من خلال التفكير الـمُنظَّم، يستطيع الإنسان إنجاز أعماله بالشكل الأمثل، لكنه عندما يريد أن يُبدع فإنه بحاجة إلى الاستعانة بعالمه الذهنيّ الفوضويّ حيث المحض والتصوُّر والخيال. وكلّ عنصر يتم استحضاره من عالَم الفوضى اللاشعوري ما إن يلج الوعي حتى يصبح منتظماً، وبذلك تكون الفوضى داعمةً للنظام ذهنياً؛ الأمر الذي ينسحب أيضاً على الحالة العضوية: حيث يتمّ تخليق البروتينات والغلوكوز من قِبَل الجسم على شكل هيئة خطّية منتظمة، وهذا المسلك الروتينيّ في الإنتاج يؤدي مع الوقت إلى حالة تُسمَّى علمياً "انتروبي" ومعناها الإفلاس في الطاقة. لكن في المقابل فإنَّ أيَّ تفاعل داخل الجسم يتمُّ ضمن أوساط مائية بالضرورة، وهذا ما سيؤدّي إلى إنتاج حجم هائل من الطاقة تُعوِّض تلك المهدورة بفعل الإسراف في التنظيم.
والنتيجة المُستخلصة من المثالَيْن هي أن الإنسان مبنيٌّ أساساً على التناقُض. وإلا فكيف تَرَادَف لديه النقيضان معاً: النظام والفوضى؟!
أضف إلى ذلك أنَّ هذا التناقض لا يقف عند هذا الحدّ، بل إنه ينعكس على شخصية الإنسان وسلوكه وأفكاره ورغباته. ولذا نرى الإنسان ازدواجياً في مشاعره وفي استخدام عواطفه، وضائعاً ما بين محاولته لإرضاء سُلطة الضمير ومحاولته إشباع رغباته الغرائزية، وحاملاً لمفاهيم متناقضة ومتضاربة يدحض أحدها الآخر! فتراه يتشبَّث بيديه وأسنانه بالمنطق، لكنه ينام ليله بطوله على وسادةٍ من الخرافات والخزعبلات!

باحث ومفكّر سوري.