يا صاحبي

ما زلنا صغاراً

أمامَ يفاعةِ عفويتنا

يا صاحبي

الأربعونَ سنةً

واقفةٌ، ثكلى طفولةٍ

ما زالت يا صاحبي الرُّوحُ الوليدةُ ذاتُها

ما زالت الكلماتُ تتبضَّعُ من رُوحينا أنفاسها

ما زلنا صغاراً يا صاحبي

نحبو لنداءِ لقاءٍ يُغرِّقُنا

نهرولُ نحو لعناتِ الشوقِ حين يعضُنا

يا صاحبي

ما زلنا كما كُنا في ذاكَ الآن

الذي هو نَفْسُه الآن

حينَ

على كُرسيينِ جاسوسين

يتنصتان لحديثِ دهشةٍ

حينَ

أنا وأنتَ تأملٌ لسكونِ ظلٍّ

ما زلنا يا صاحبي

شاشةَ نَّظر لعيونٍ

تُحَدِّقُ في شبحينا

ما زلنا شاذين في ابتهالاتِ العيونِ علينا

يا صاحبي

كبُرنا

لم نسأل العُمر

لم تسألنا السنونُ

هي لحظةٌ كُنا

كبُرنا وبقينا في ذاكَ الآن هو الآن ذاكَ

يا صاحبي

أجفلنا الزمن حينَ بقينا

غدرنا به حين اندهش

عنَّا تسألُ الأمكنةُ يا صاحبي، فترتبك

ساخِريِّنِ يا صاحبي

تركنا فاه الزمنِ

تركنا رعشة المكانِ

ذاكِرةً للآنَ ليبقى الآنَ

يا صاحبي

ألمُنا

دمعُنا

عُرِّيُنا

منكَ إليَّ

مني إليكَ

أينعتْ أرواحاً في روحينا لتبقى

قَلَّمَتْ أظافِر العُمر

قطعتْ لسانِ الأفعى الحياةِ

وحملتنا كَدَرجِ سُلمٍ في الآنَ ليبقى الآن

يا صاحبي

ألفْنا العسلَ، مُرَّاً

ألفنا المسافة، قُرباً

ألفنا القُربَ، وحدةً

تقيأ منا العمرُ يا صاحبي

تقيأت الحياةُ بما لنا

أبقينا نحنُ على كُلِّ الآن

نعيشُهُ

يعيشُنا كالآن

يا صاحبي

كبريقِ لحظةٍ في العُمر

أضاءَت لنا كُلَّ العُمر

ومشينا دلائلَ الحبِّ في رُوحينا

يا صاحبي

أحبَّبنا ما فينا

لعنّا ما فينا

رمينا ما فينا

عُدنا حملنا من ما فينا أنفُسنا

ليكونَ كُلِّ الآن في الآن

يا صاحبي

لا يَذِّرُ عمرٌ وزرَ عمرٍ آخرَ

كُلُّ ما كانَ منّا، فينا، علينا

وزرُ رُوحينِ مُطفأتينِ تتوهجُ الحياةُ بعتمةِ النشازِ فيهما كلحنٍ

يا صاحبي

ثكلتنا الأحاديثُ كأُمٍّ

والمسافاتُ حنطتنا ككفنِ آنٍ بقيَّ آننا

يا صاحبي

كُلُّ الرُّقَعِ الملونةِ على ثوبِ عيوبِنا

هي أنفاسُنا المُتقاسمةِ مع الهواءِ شبحينا

كُلُّ جلساتِ السَّمَرِ بين وجهينا

هي أدمُعُ شكوى الوجعِ في انكساراتنا

يا صاحبي

لم نكُن ملاذِّيِّن

لم نكُنْ لاجئين

كُنا ذاتنا

تجلدُ رُوحين

في كربهما

في بوحهما

في يقينِ اللسانِ مع صدّاهما

ما زلنا صغاراً يا صاحبي

صِرنا كباراً يا صاحبي

كباراً في اللحظةِ الآنِ ذاتها

نُلَوِّحُ لغيابِ الحياةِ بعيدةً عن أحاديثنا

نحضنُ حياةً غريبةً قريبةً في روحينا من روحينا

تائهينِ بالصمتِ يا صاحبي

ضائعينِ بالكلامِ

راحِلينِ في الآن

كالغدِ

كالأمسِ

ثابتينِ

مُتفرجيِّنِ على مُضي السنينِ دوننا

يَقِظيِّنِ

في الغفوةِ

في النومِ

في الحلمِ

في الصحوة

نُخيِّطُ مسافةَ بُعْدِنا عنّا

حينَ معاً نُلقي برُّضاب الحديثِ إلى قلبينا

يا صاحبي

لا تكفي القصيدةُ البحرُ من سدِّ موجِ الشِّعرِ في اللحاقِ برعشةِ آننا

لا يكفيني يا صاحبي

كُلُّ الآن لأكتُب إننا ما زلنا صغاراً يا صاحبي.

القامشلي سوريا