الفكرة التسلُّطية هي فكرة في غالبها غير منطقية أو غير محتملة الوقوع، تتسلَّط على الذهن مُحدثةً لصاحبها إعاقةً نفسيةً، حيث تشغل الكثير من الوقت وتُسبِّب الحصر والوهن. وتظهر الأفكار التسلُّطية على الشكل التالي: يُخيَّل لصاحبها أنه قد قام بفعلٍ ما، وهو في الحقيقة لم يقم به، وتبدأ محاكمته الأخلاقية لنفسه على هذا الفعل الذي لم يفعله! ويبدأ تأنيب الضمير بغزو ذهنه. وأحياناً كثيرة تأتي هذه الأفكار التسلُّطية على شكل تخوُّف من حصول أمر مكروه. ومن باب تقريب الصورة، نضرب هذا المثال: فتاة عزباء زارت الطبيب النفسي وشكت له من خوف تعرُّضها للاغتصاب. وكانت تلك الفتاة تزيد من إجراءاتها الاحترازية كلَّما زارتها تلك المخاوف، وذلك من خلال المبالغة في الاحتشام بلباسها وعدم مغادرتها المنزل إلا نادراً! وذلك كلُّه بالطبع لم يُجدِ نفعاً! فهذه الفتاة

كانت تعاني، ضمنيّاً، كبتاً حاداً لرغباتها ومشاعرها الجنسية، وبما أنه ومن المستحيل عليها أن تُشبع تلك الرغبات خارج إطار الزواج وخارج العُرف الاجتماعي، لأن أخلاقها وتربيتها لا تسمحان بذلك، قام اللاوعي لديها بتعويم هذه الرغبة الجنسية على شكل خوف من اغتصابٍ محتملٍ.

الاغتصاب في هذا المثال هو فقط الرغبة بممارسة العمل الجنسي على مستوى اللاوعي، لكنه ظهر بمظهر الاغتصاب على المستوى الشعوري كونه الحلّ الوحيد لإشباع الرغبة أمام سور هائل من المنع الأخلاقي. فخوفها الشعوريّ اللامنطقيّ من الاغتصاب أساسه رغبتها اللاشعورية وبقوَّة فيه! لأنه مثَّلَ لديها حلاً حصرياً للتفريغ في هذا الواقع. فرهاب الاغتصاب كان بمثابة التسوية وإمساك العصا من المنتصف في محاولة لإرضاء كلا الطرفين: الضمير والرغبة. لكنَّ سؤالاً مهمَّاً يبقى عالقاً هنا، ومن الضروري تحرّي إجابته: لماذا تأتي معظم أفكار (الضمير) أو الأنا الأعلى أخلاقيةً غيرَ منطقيةٍ؟

والجواب بتبسيط شديد: عندما تكوَّنت الأنا الأعلى كان الطفل حينها عاطفيّاً لامنطقياً؛ أي أنها جاءت متماهيةً مع المرحلة التي وُلدت فيها.

باحث سوري في علم النفس التحليلي