جاكلين سلام- كندا
كأنك مهاجر إلى العدم وفي جسدك ورأسك هوة لا يردمها صيد ولا مغامرة ولا امرأة ثم أخرى وأخرى.
أنت تسترق النظر الى النساء في كل محيط تتواجد فيه لعلك تشبع نهم شهواتك، وتصطاد رغبة عابرة أخرى تعزز شعورك بأنك ما زلت عضواً فعالاً في المجتمع ولك حيز من الجاذبية اتجاه الجنس الآخر.
تعتقد انك كازانوفا العصر، أو هارون الرشيد، أو حارس بيت الشهوات.
تتبجح بما ملكت من نساء لوهلة عابرة وما لم تملك. تتباهى وتستعرض قصص جولاتك المزعومة الفقيرة، بلا تقريع ضمير. لا شيئ يردعك. لا شيئ يملأك. الفراغ من حولك، وفي قلبك وجسدك ذاك الجوع النهم. كأنك تأكل نفسك وتقتات على عذاباتك حين تذهب إلى عتمة ذاتك الأصيلة. هناك تتعرف على بؤسك والحرمان الذي خلق فيك هذا النزاع.
وتعود إلى ليلك البارد بكأس مكسور وعين فارغة، وروح تعوي بلا انقطاع. تحاول أن تسافر ، ولكنك أينما ذهبت تأخذ القناص الذي فيك، وتبحث عن طريدة-من الخارج. انت لا تسافر كي تتعرف على ذاتك بل كي تواصل الهرب منها.
لا تستطيع النوم الا بمساعدة الشراب والعقاقير الطبية. تستمتع الى شايكوفسكي، ثم فاغنر، ثم موسيقى الاستراخاء ومع ذلك تبقى تهز قدميك بعصبية ولا تستطيع التنفس بعمق. فتقول إنك تفكر ملياً بالوطن المريض والمواطن والوطنية. وتريد أن تبني مجتمعا سليما مدنيا تحظى فيه النساء بنفس حقوق الرجال، وتعامل فيها الطبقة الكادحة معاملة كريمة تنال أكثر من الخبز والمسكن والماء والكهرباء. أنت تريد أيضا أن تخلق ثقافة مدنية وصحافة حرة وفناً معاصراَ ومجتمعا غير منفصم بين صورته العامة الاجتماعية، صورته الحقيقية. تلك المخفية التي هي عبارة عن مغامرات ومقامرات، وخمريات، وعلاقات استهلاكية عابرة اساسها المصلحة والتكسب والارتزاق.
فلماذا لا تبدأ من جوف ذاتك؟ لماذا لا تملك شهامة كازانوفا الحقيقي الذي عانى كثيرا من الصدمات النفسية بعد أن هجرته والدته بسبب قسوة العيش وكان ذلك في القرن(18) ميلادي. ابتكر كاوانوفا شخصية عبقرية (لعوبة) يحكمها الشره الجنسي والعدمية في آن. ومع ذلك ترى شوقه وحنينه إلى المرأة التي عشقها ولم ينلها، وبقي يلاحق إثرها، ويهاجر ويسافر العالم على أمل الوصول إليها من جديد. هي التي كانت تبحث عن الثروة والغنى، حصلت على المال، ولم تحصل على الحب، وبقي أيضا توقها إلى عاشقها الحقيقي( كازانوفا). والذي كان الأكثر جرأة ووضوحاً أمام الجميع ولحد الوقاحة. لا يعيش الازدواجية ولا يخجل من سقطاته. ذاع صيته لأنه خرج عن الكنيسة وعن السلطات المدنية وعن التقاليد والاعراف السائدة التي لم تكن كلها عادلة. كان أيضا معروف عنه ثقافته العالية في الفنون والاداب والتاريخ والمجتع. حتى انه برع في مهارات موسيقية وقدرات مميزة في تعلم اللغات وتلقينها، الى جوار ابتكار اشكال والعاب للمقامرة. كسب المال، وخسره، ثم عاد في النهاية الى صومعته، ليكتب للتاريخ سيرة نادرة عن أحداث حياته السرية والعامة التي أخذته الى لقاءات الملوك والفنانين والمشاهير في العالم، أمثال: الملكة فكتوريا، وفولتير، موليير، وغوته.
جياكومو كازانوفا، مات معتصما في مكتبة في بيت أحد الأعيان، عاكفا على كتابة سيرته (قصة حياتي). مات وعلى شفتيه اسم حبيته التي ولع بها. مات مبتسما وكل كيانه توق للقاء تلك المرأة العاشقة.
...
مات كازانوفا منفيا عن بلده الاول ايطاليا، بعيدا عن فينيسيا التي ولد فيها وعاش مغامرات شتى. مات في حسرة الحب. ما الذي تبحث عنه أنت حين تدخل صومعتك وتواجه ذاتك الحقيقية أيها الرجل المعاصر، الباحث عن وطن له قيم وأخلاق وقانون يحفظ ميزان القلب وميزان العدل كفة مقابل الكفة.
...
تنظر الى المرآة ولا ترى الا بوابة الجحيم تهاجر وتعتقد أنك شخصية أسطورية قادمة من سابع سماء وأرض فيما أنت غريب على أرض ذاتك، على بطن كفك، على مائدة بيتك، وفي عيوان أولادك والمرأة التي تعيش كجارية تحت سقف بيتك وبيتها الذي تقدم لها مدخولا ماديا يزيد عن مدخولك أحياناً أو ينقص. ربما كان عليك ان تقرأ قليلا بعمق الكوميديا الإلهية ورهبة الوقوف أمام تلك البوابة للتطهير من رجس قلبك ووجدانك المصاب بالنرجسية والنفاق المتأصل.
كن صيادًا ، ولكن كن بشرًا. انكيدو كان أسطورة ، روضته امراة واحدة. امرأة واحدة لا غير.
الأساطير معنى وحضارة ولكل زمن أبطاله. كن بطل زمانك، بأن تكون نفسك. كن حقيقتك أو اذهب الى العدم بلا ضجيح وادعاءات.
صورتك التي تنظر اليها في بركة الماء ، ليست صورتك التي في المرايا، وليست صورتك في قلب نساء مررن بك ولم يأخذن من أثرك اي شيء حميم للشتاء الآخر.
لا شيء لديك للحب كي تعطيه ولا شيء لتأخذه في طرقات المهجر البعيد.
العشق كرم وكرامة. العشق التصاق الأنا بالآخر، وارتقاء على عتبة الغد والحاضر.
العشق خاتمة الجسدين في مملكة الحب التي لا يدخلها إلا الذين احترفوا الصدق مع الذات والاخر.
تريد أن تغير المجتمع والسلطات وتقضي على الطغيان والفوضى، ابدأ بنفسك وكن الميزان وكن الحاكم والمحكوم عليه. واكتب: مانفيستو التغيير من داخلك الرافض للتقليد والتبعية والقيود، فأنت البداية في كتاب التغيير.

شاعرة وكاتبة ومترجمة سورية كندية.