بقلم ايراهيم إبراهيم – الدنمارك

في عمق هذا الصخب الأحمر المحيط الذي يمتد في خلايا الروح البشري وقصص القتل الرمادية التي تلتف على أجساد الصغار في اوطاننا كان لا بد أن يظهر اتجاه آخر يجاور أحلامنا التي فقدناه في ظل الاغتراب البارد والجاف في أقصى هذا العالم.
التقيت ملك مختار أو " فِلهْ " هكذا كنا نسميها في لغتنا نحن مَن يتقن رائحة السُّماق والزبيب الكردي في قريتنا " MABETA "* تلك القرية الطفلة التي تخفي في ألوانها أطفال ينامون في مفردات الأصابع المتعبة بين أزقة غادرتها وحقول زيتونة تجاورها، التقينا وملك مختارالطفلة التي غادرتها مع أزقة "ماباتا" أو " MABETA " لتحاصرنا فنانة تسكنها غيمة تشبه أنوثتها القادمة من الدفئ "العفريني" لتولد ضباب صباحات البرد أو ربما حكاياتها المبتلة بألوان تشبهها وأحلام تتكدس في زوايا غرفتها بمساحات قلبها الصغير.
للونٍ أو الخطٍّ أو التكوينٍ دلالته الرمزيَّة لدى ملك مختار لتعبر عن هواجس وقلاقل وأفكارو أحياناً ابتسامات الخجل في صورة أجمل من بقايا القادمات بألوان التاريخ في محاولة في غاية الصعوبة لايصال تنهداتها للمتلقي العادي و المهتم والثاقب، تتحدث ملك مختار بلغة الصمت الحارقة وتكتب بلغة اللوحة التشكيليَّة بكل أشيائه اللون، الحركة، الريشة، الروح، المفردات، التكوين الحطي والنصي.
هذه التركيبات اللونية التي تجمع بين الداكن والفاتح والأسود والأبيض وفي أجواء الاحمر والأصفر والأخضر والبنفسج و..و .. تتشابك لا بل تتحارب بلطف وهدوء في قرب العين عنها وبصخب متنقل بين أشياء جسد اللوحة في بُعد عينك عنها فيما مشاعر ملك الوحيدة وعبر شفافية الضربة ورسم خطها العاكس أحيانًا والناقل أحيانا أخرى التي تقود ثورة رسالتها الأنثوية وعلى حامل نصها الروحي لتؤلف قصص الماء والرمان والزبيب العفريني.
قصص اللون والمفردة لدى مختار تحتوي كل رموز الحياة من الولادة والموت والحب، الحزن الثورة والحرب والهدوء، الدفء، وحتى الدم، والنار، والشمس والأخضر للخصو والطبيعة، والسلام، والأمل.
في مساحة البورتريه اللوحة التي تتلاعب لعبتها اللونية ومفردات روحها حيث الاحمر الذي يلون تاريخ الشرق ويذكر بالعزة والرحلة الكردية الطويلة والطويلة جدا تحاول هذه ال "ملكُ" أن تحيط رؤانا بمزيد من التيه في فضاء متلاحق من ليال " ماباتا " قريتها التي باتت ملهى أحلامها الصغيرة وكتاباً مقدساً لأيمكن للبشر العادي قراءتها.
وفي محاولة لذيذة من مَلكْ وفي تتبع واضح لأثر نصوصها تنقلك إلى الزوايا المخفية في لوحاتها وبأدواتها وتقنياتها..!! إن البقعة الترابية التي شكلتها " ماباتا " القرية الطفلة والتي عاشتها التشكيلية في مساحات حلمها جعلتها تعيش أساطير وحكايات جدتها "زَلهْ" دون أنتغلق باب حكليتها الصغيرة محاولة البحث الدائم عن مساحات أكثر كبراً من حلمها وتخرج الفضاءات اللون الواسع والواسع جداًمستلهمة نصوصها الدرامية الملونة من الطبيعة وتحولاتها، وما بين عناصر الحياة وبريشة ألونها الحادة حيناً ورقيقة شفّافة حيناً آخر.
ملك مختارولدت في قرية " MABETA " المعربة بـ " معبطلي " التابعة لعفرين المحتلة من قبل تركيا و كتائبها السورية، درست الموسيقا عام 2005 في معهد خاص وساهمت مع بعض الأصدقاء في تأسيس معهد ودار موسيقي خاص في قريتها عام 2010 وعملت مدربة موسيقى لأطفال القرية ضمن فرقة موسيقية كانت هي نفسها وأصدقاء لها عام 2010 في عفرين وعملت أيضاً كمدربة ومصممة لبعض اللوحات الفولكلورية الراقصة وفي عام 2016 قدمت مسرحية صامتة بعنوان " الرحيل" على إحدى خشبات المسرح في الدنمارك بالإضافة إلى الفن التشكيلي الذي درسته في معاهد حلب الخاصة وقدمت العديد من النشاطات التشكيلية من معارض فردية وجماعية في كل من الدنمارك وفرنسا وآلمانيا.
::::::::::::::::
• " MABETA " قرية الفنانة تابعة لأقليم عفرين الكردي تقع في الزاوية الشمالية الغربية لسوريا