كانت كلما انتهت من تداعيات العطاس، وأزالت رزمة المناديل الورقية التي تحجب كل وجهها، إلا ووجدته أمام عينيها، فيدنو منها ويقبلها من فمها، فتسكر لبرهة قبل أن تثور في وجهه ككل مرة:
ويحك أيها الأحمق! ألا ترى أني مصابة بالزكام؟! ستصيبك العدوى، ما بك؟!
زوجته طبيبة، تعي خطورة الأمر عن علم. أما صاحبنا.. فلنقل عنه: عاشق بالسجية، كان في كل مرة يجد تبريرا لصنيعه ذاك: فتارة يقول كل شيء منك على قلبي أحلى من الحلوى.. وإن كانت عدوى! وتارة يقول لقد عطشت فقلت أرشف من عين الروح بدل أن أملأ كأس ماء من الصنبور! وتارة أخرى يستغني عن الكلمات، ويترك لعينيه رسم معنى الكسير أسير العشق. فكانت تهرع إلى أول شيء تطاله يدها، لتقذفه تارة بوسادة، وتارة بعلبة المحارم، أو بكأس حتى! فهو يستفز ردة فعلها المهنية، وحتى وإن أصابه الكأس الذي كاد يلحقه قبل العدوى، فمن غيرها يكون أهلا لعلاج إصابته؟!
ولكن في هذه المرة، اتخذت ملامحه الكثير من الجدية. فما إن قبلها حتى أمسك يدها ونظر في عينيها فقال:
كيف تمرضين ولا أمرض؟! تعلمين جيدا أني أعي جيدا خطورة الأمر، وأن "هذا ليس وقت هذا"! أعلم.. لكن كيف أتركك هكذا، وأبتعد عنك بدعوى العدوى؟! ما هذا الهراء؟! إن يكن ثمة مرض فلنمرض معا.. نشفى معا، أو نمضي معا، يدا بيد، لنستكشف ما وراء ما اكتشفه كريستوفر حين ضل طريق الهند، فأبيد الهنود!
مرت لحظات ودمع مدرار يفارق بسرعة عينيها، مبللا قميصها مرورا بالخدين. أما هو فلم يقطع لا حديثه ولا نظرته الثابتة تلك إلى هاتين العينين:
.. لا، لن أبتعد عنك لأسبوعين. هل يسكنك الفيروس أنتظره أنا في الخارج، هكذا، دون أن أحرك ساكنا؟! أوجننت؟! لا، لم ولن يطور نفسه ذلك الفيروس الذي سينجح في أن يبعدك عني.
.. ذلك سر السكر ذاك، لمن تساءل عن ذلك...