نورة البدوي / تونس

تأتي رواية عودة الورود " دار زينب 2019" لتشكل المنجر الثالث في مسار أدب الطفل الذي اختطه الكاتب التونسي صلاح بن عيّاد، فيما يتعلق بهذه الفئة العمرية التي لا تتوقف عن رحابة خيالها و فرادة دهشتها و اختلاف رؤيتها و طرح أسئلتها و إبراز حيرتها تجاه الواقع.
من خلال التصدير في قصة عودة الورود لم يخف بن عيّاد أنها موجهة إلى حيرة و أسئلة الأطفال التي لم تتوقف تجاه ما يجري من أحداث في تونس فيقول " إلى أطفال تونس في كل مكان إليهم و قد حملوا أسئلة لا أحد تمكن من الإجابة عنها إجابة طفولية ضافية، إلى تلك الحيرة التي شاهدتها في وجوههم الصغيرة تجاه غليان شارع بلد هم أيضا معنيون به"..( ص 3).
أسئلة و حيرة طفوليّة تجاه البلد و ما تعيشه من تجاذبات جعلت كاتبنا يخلق مشهديّة بصريّة بلغة الكتابة و الخيال لتقريب صورة واقع " مشوّش " حسب تعبيره ؛ فكانت قصة "مدينة الورود".

جاذبية العنوان:
أول ما يشدّنا في قصة عودة الورود هو العنوان فهو يمثلّ المصافحة الأولى للقارئ الصغير، و بمثابة -"فتح الشهيّة حسب رولان بارت"-، فتح الشهيّة أمام فضوله الذي يطفو في أعماق عالمه المدجج بالمعاني الظاهرة و المخفيّة.
معان صافحها كاتبنا بلغة واضحة و مبسطة من خلال العنوان، الحامل في طياته لمشهدية بصرية مفعمة بالحركة و الحياة - ( عودة/ الورود) – ما حققت بدورها مضامين وصفية و إيحائية و تلخيصيّة لعالم مرئي ستسهم دلالاتها في بناء المعنى الكلي للقصة.

ثيمات الفضاء و مشهديّة السرد:
من خلال السرد سعى كاتبنا إلى رسم خيوط الحكاية عبر فصول متنوعة وردت في أربعة عشر فصلا موزعة على سبعين صفحة، في نسق تصاعدي من التشويق و المغامرة التي يحتويها مكان رئيسي: "مدينة الورود" دعمها بثيمات سينوغرافية من ورود و جبل حنون يحميها.
"تقع مدينة الورود اسفل جبل تلفه خضرة نادرة تسر الناظرين، يعيش أهلها في جنة حقيقية على سطح الأرض" (ص 5)، بين مدينة كنزها الثمين الزهور و جبل شاهق يعتقد أهلها أنه حاميهم فهو بالنسبة إليهم " الجبل الحنون" يقطع هذه السكينة شرار ليتخذ من الجبل قلعة له و ينتشر الظلام في المدينة و يبث الخوف في سكانها.
" شرار ساحر ذو قدرات خارقة استوطن الجبل الحنون و أقام قلعته القاتمة و المخيفة.. قلعة تشرف على المدينة و تعلوها لتحول أيامها المنيرة إلى ليال مظلمة بلا انقطاع" (ص 12).
يضعنا بن عيّاد من خلال الإطار المكاني الذي دعمه بتفاصيل و جزئيات ليلج بعد ذلك في روح السرد و الفضاء و كأنه ينقلنا تدريجيا في رحلة مشوقة و مؤثرة في آن واحد في نسق حكائي تصاعدي دعمه بتدفق سردي تمظهر مع ظهور الشخصيات " الشيخ حكيم" و "الصبي قرنفل " في شكل حوارات مسترسلة بينهما من أجل القضاء على شرار و إعادة النور إلى مدينة الورود .
"كانت أسئلة الصبي ثاقبة و كان الشيخ حكيم يجيب...:
كيف يمكن إعادة الورود و النور إلى مدينتنا أيها الشيخ الحكيم؟
حرك الحكيم عكازه ثم قال:
كي تعود مدينة الورود إلى سالف نورها و ورودها علينا أن نتخلص من ثلاث آفات و هي الجوع ... المرض ... الخوف." (ص 21)
بهذا التدفق الحكائي الذي يعتمده كاتبنا من خلال الأحداث و الحوار بين الشخصيات يرسم لنا مسارا دلاليا بين متناقضات حياتية :خوف/ شجاعة /نور ظلام /موت /حياة من ناحية، و يجعل من السرد أداة للتناص جامعا بين الخيال و تقريبه لأسئلة الواقع الذي يريد تقديمه بن عياد بطريقة مبسطة، من ناحية أخرى، حيث يقول " أن منطلق كتابة قصة عودة الورود هي أسئلة لأطفال كانوا لا يكفون عن رسم السؤال المركزي على وجوههم ما الذي يحدث في تونس؟ ..... أما البطل قرنفل هو داخل كل طفل ميال بطبعه الى الانتصار على الاشرار في حروبه الخيالية اليومية ".
بهذه الثنائية يثري كاتبنا الحبكة السردية عبر تكثيف الوصف لنقل حالة شخصياته و رسم مشهدية فرجوية للقارئ " فشرار لا يحتمل الدفء انه كائن بارد يشبه قطعة ثلج قد تشرع في الذوبان ما ان تصيبها الحرارة في مقتل. ص 56
مشهدية منحت أدوارا متحركة مفعمة بالمغامرة الساكنة في أعماق كل طفل.

تبلور الشخصيات
من الواضح أن بن عياد ترك خاصة شخصية الطفل قرنفل عفوية و منطلقة و كأنه بذلك يحتكم إلى فطرة الطفل الذي يخاطبه من خلال الحكاية. فجعل من شخصية بطله شخصية عفوية منطلقة في فضاء و حبكة الحكاية مفعمة بالسؤال و المغامرة لمواجهة الظلام و الخوف الذي سكن روح سكان مدينته.
أما شخصية الشيخ حكيم فلقد أحدثت التوازن في بنية السلم التصاعدي للأحداث و المساند المعنوي لقرنفل و لأهل المدينة فهو روح العقل الذي لا يكون الخلاص إلا به.
شرار و هو رمز للشر فلقد جعله بن عياد مصدراً للشر و الظلام الذي أدخل تحولاً على مشهدية الدفء و الهدوء الذي كان في المدينة و حولها إلى مقبرة من الخوف و الظلمة و الجوع.
أهالي المدينة و أتراب قرنفل و الشاب نور: هي شخصيات داعمة لقرنفل و اتحدت حوله للقضاء على ظلمة شرار و هنا يمرر كاتبنا أهمية المجموعة في الإيمان بالهدف و القضاء على الشر الذي كان يهدد مدينة الورود.


بطاقة كاتب:
صلاح بن عيّاد هو كاتب و شاعر تونسي لم يستثنِ في كتاباته للشعر و الترجمة اهتمامه أيضا بأدب الطفل، فكانت له مجموعة من القصص الموجهة لهذه الفئة العمرية: ك (رحلة رولا )و هي سلسلة متكوّنة من 8 قصص لأطفال في سن الرابعة. عن دار سيمي ايديسيون 2019، أما إصداره الثاني فكان معنونا بـ (ريكو وريكا) و هي الأخرى سلسلة متكونة من 8 قصص لأطفال في سن الثالثة "سيمي ايديسيون 2019"، لتتوج تلك الثنائية بإصدار ثالث و هي قصة (عودة الورود) عن دار زينب للنشر والتوزيع ــ 2019.