بقلم نبيه مصباحي

مؤخرا صدر للكاتب التونسي سفيان رجب كتاب قصصي بعنوان "أهل الكتاب الأحمر"، و هو المؤلف السابع الذي يصدر للكاتب بعد أربع مجموعات شعرية و رواية ومجموعة قصصية وصلت نهاية العام الماضي للقائمة القصيرة لجائزة القصة في الكويت.
إن المتابع لتجربة سفيان رجب يدرك تماما تفرد أسلوب هذا الكاتب و لغته و عوالمه حيث تميز بمعالجته للقضايا بالسخرية مقدما نصوصا شبيهة بلوحات كاريكاتورية... نصوصا يختار لغتها و كلماتها بعناية . لذلك هو لا يرهق القارئ بصعوبة التراكيب الغليظة و المفردات المصطنعة و لكنه يرمي به في عالم الشك بعدأن يحطم مسلماته و عقائده و أساطيره و بساطته. و القارىء يخرج من عالمه وهو مدرك أنه يتوجب عليه أن يعمل على تغيير زوايا نظرته للحياة ولكثير من الأشياء...
و"أهل الكتاب الأحمر" هو تجربة جديدة في الكتابة إذا نظرنا إليها من جانب الجنس الأدبي إذ أم سفيان رجب يستعمل أدوات القصة القصيرة المعتادة لكنه يُحلق بعيدا عن تجارب قصصية كثيرة.. و في هذا الكتاب 100 قصة (و هي في الحقيقة 100 صدمة و رجّة) تعالج في كل مرّة عقدة ونطرح سؤالا أو تعيد تفكيك حقيقة حتى يصعب تركيبها لتنتهي القصة وهي مفتوحة على العديد التأويلات.
ويبدو لي أن سفيان رجب كتب قصصه بطريقة تشبه إلى حد كبير لعبة البوزل العروفة، تلك اللعبة التي تسمح لنا بأن نجمع ما هو مبعثر ليتحقق بينهما في النهاية الانسجام البديع.
فقد فكك سفيان رجب المسلّمات، ليبتكر عوالم تجعلنا نعيد النظر في ما نحن تعودنا أن نراه عاديا بحيث لا يستحق الاهتمام...كل شيء في هذه القصص يحيلما إلى أن ما كنا نظنه واقعا صلبا هو في الحقيقة سراب خلفه سراب... وعلينا نحن أن نواصل الهرولة لكي نظفر بشيء من حقيقة الانسان والحياة والوجود...
'' أهل الكتاب الأحمر '' هو مغامرة سردية تطوف بقارئها في أمكنة عديدة و تتيح له محاورة البقر والقردة و الديكة و الألهة ثم تقوده إلى حصة علاج نفسي ليكتشف متلازماته و أمراضه و أوهامه. كل كلمة هي صفعة لإجتثاث العقل البشري من الوهم...