بقلم شامل عطايا

أكثر ما يزيد الهموم والأحزان أن يقاسيها صاحبها وحده أو لا يشاطره أو يواسيه فيها من يعتقد أنه قريب أو صديق. كـ"سوريين"؛ كنا وما زلنا نحسّ بألم عميق عندما يقابل أحدنا أشخاصًا لا يعرفون عن معاناتنا وآلامنا طلية سنوات الحرب الفائتة منذ آذار/مارس 2011، ونصاب بالدهشة والصدمة إذا ما اضطررنا لشرح قضيتنا وتعريف المتلقّي بالجلاد والضحية والأسباب والوقائع والمآلات.
وقد لمس الكثير منا حجم التقصير في حق أنفسنا وقضيتنا، كوننا لم نوصّل صورتها للآخر بالشكل الصحيح فضلا عن وصولها أصلا، لقلة خبرتنا وضعف تجربتنا في طرق التواصل مع الآخر وطرق الإعلام التي يمكن استعمالها مع الآخرين لاجتذاب أصدقاء وداعمين وتفادي عداوات نحن في غنى عنها.
كسوريين نعتقد أن بقية شعوب العالم تتسمّر مثلنا يوميا بضع ساعات أو طيلة اليوم أمام التفزيون تتابع القنوات الفضائية ومنها الإخبارية، أو على الأقل تستمع نشرات الأخبار عبر الراديو طالما أنهم في سياراتهم.. لكن هذا الذي ينطبق علينا لا ينطبق على بقية الشعوب وخصوصا في أوروبا، وكثير من السوريين ممن يتواجدون حاليا في أوربا لمسوا هذا بين أصدقائهم ومعارفهم وفوجئوا أنهم لا يشاهدون التلفزيون ولا يستمعون للراديو أو على الأقل القنوات الإخبارية منها، وأن كثيرا من الأوروبيين لا يملكون تلفزيونا أصلا، وقد تخلوا عنه لأنهم لا يريدون أن يكونوا من ضحاياه وضحايا مُلاكه ومشغليه والمعلنين فيه... ويفضلون الحياة بعيدا عن صخب وضجيج الأحداث، وخصوصا الكوارث هنا وهناك على مبدأ "ما فينا يكفينا" وأنه لا داعي للانشغال بما يقصّر العمر ويوجع القلب، كما يفضلون التعرف على مثل هذه الأمور عبر الصحافة. لكن المعرفة الحقيقية يبنوها من مطالعة الكتب للتعرف على جذور المسألة وتطوراتها ووجهات نظر أطرافها ولا بأس من مقترحات منطقية حول طرق حلولها.
لقد سُرّ كثيرون بصدور كتاب جديد في العاصمة البريطانية لندن عن سوريا، يحكي واقعها الحالي، وخصوصًا خلال السنوات الماضية، وما تعرّض له الشعب السوري من مآسي. وأكثر ما يبعث على السرور أن هذا الكتاب بقلم الأستاذة الصحفية والحقوقية بهية مارديني وباللغة الإنكليزية، والذي جاء بعنوان "عن سوريا، كلمات تبحث عن حروف"، وقد منح الكتابُ السوريين فرصة ليكون لديهم وسيلة قوية وفعالة يستطيعون بها تعويض ما فاتهم من كسب أصدقاء محتملين لقضيتهم عبر منحهم أو تعريفهم على كتاب يحكي الوجع السوري وأسبابه ونتائجه.ليكوّن الآخرون صورة أوضح عن مأساة شعب حاول ويحاول تغيير واقعه أملا بغد أفضل، لكنه اصطدم بجدار من الوحشية وخاض في حقول ألغام السياسة الدولية المتشابكة، فانقلب واقعه إلى جحيم مشتعل، وطالت مأساته لتسع سنين، ولا أحد يعرف كم ستطول أكثر.
ولكن هل من فائدة من اكتساب جمهور إضافي في الغرب يطلع على الواقع السوري؟ برأيي هذا مهم جدًا، وخصوصًا لدى شريحة من يقرؤون الكتب، فهؤلاء، على كثرتهم في أوروبا والولايات المتحدة، قوة لا يستهان بها في الشارع الأوروبي والأمريكي، وبأيديهم مفاتيح عديدة للضغط على ساستهم ونظمهم الحاكمة لأجل إيجاد حل للقضية السورية، وليس أي حل؛ بل حل عادل وجذري يوقف المأساة المستمرة منذ سنين ويؤسس لمستقبل خال من العنف والكراهية.

شامل عطايا مترجم وكاتب سوري