ديوانها الأول الذي حمل عنوان "على مسافةٍ من يدي" (دار البلد للطباعة والنشر) جاء أشبه بمختبر للغة والعاطفة والأنوثة، صنعت فيه الشاعر السورية أميمة نصر الدين (مواليد السويداء 1976) اللبنة الأولى في عمارتها الشعرية. "إيلاف" التقت الشاعرة نصر الدين خرّيجة قسم اللغة العربية – كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق للحديث عن هذا الإصدار:

- ما المقصود بـ"المسافة" في عنوان ديوانك الأول "على مسافةٍ من يدي"؟
- المسافة قصة نسبية في عالم المشاعر تقف دائماً لتتمم التجربة بين نقطة البدء والتكوين، وهي خطواتنا التي تكتبنا بنغم القرب والبعد ضرورة المسافة أن تبقى الأشياء جميلة حين تنظر إليها من بعد:

"في كلِّ الأَسئلة
تلمعُ عيناك لتضيء الإجابة
لأن حضورك ضوءٌ
يضحكُ من هشاشة المسافة".

- لمن تكتب أميمة نصر الدين؟
- أكتب عن كل الذين خانتهم اللغة فعجزت أرواحهم عن بوح مكنونها، عن كل الذين عبروا المسافات بقلوب مثقوبة. أكتب للحياة التي أتكور في رحمها مرات عديدة لتنجبني بنص أحبو بين كلماته.

- ما هو الشعر بالنسبة اليكِ؟
- الشعر هو جملة تلمس القلب سواء كان نثراً أو شعراً... هو جاذبية الكلمة المرصوصة في بنيان القصيدة. وبغض النظر عن تسميته يقف الشعر دائماً بيننا وبين ذواتنا ليرفع الغطاء بمجازاته عن كائن شفاف يرسم بالكلمات.

- يقال بأن النرجسية صفة سيئة على العموم إلا عند الشعراء فهي محمودة! هل توافقين على ذلك؟ وهل أنت كذلك؟
- إن الشاعر متهم -غالباً- بتمجيد ذاته، بينما هو في الواقع يتقصّاها ويتقرّاها. وما دامت القصيدة لا تُحقَّق إلا باستقبال الجمهور لها فإن عدوى النرجسية لا بد واقع على المتلقي. بعبارة أخرى، إنها نقل من المبدع إلى المبدع إليه، والقارئ الذي لا يجد أناه -هو- في القصيدة لا يحقق نرجسية ما، وبالتالي ينعدم التواصل والتماثل. فشتان بين نرجسية الفنان الذي يحب ذاته ويصهرها ويقدّمها للآخرين، وبين نرجسية السياسي الذي تهمُّه أناه أولاً وأخيراً.

- باعتقادكِ هل شرط الشعر هو الحقيقة؟ وهل يتنبَّأ الشاعر ويكتب نصّاً أو تجربة لم يعشها بعد؟
- كون الشعر تكثيفاً للخيال والمشاعر فهو يلمس حقيقتنا حين نبحث عن ذواتنا فيه. وقد يعطي فاقد الأشياء أشياء تفوق الفقد لأن الشاعر يبحث عن واقع يحلم به أن يعاش:

"موجعٌ
هذا الفارق الهش بين الحلم والحقيقة،
هذه المسافة التي أقْضُمُ زمنها
بحرير وسادتي،
أصحو... فيطير من كفي الحمام،
أرتدي حبك الذي أيقظت أصابعه
غفوتي".

- نصوصُكِ إنسانية تعني أيَّ قارئ بغض النظر عن لغته وثقافته. وبناءً على ذلك هل تحلمين بأن تُتَرجَم نصوصُكِ للغاتٍ أخری؟
- لم تكن اللغة المستخدمة في النصوص لغة بعيدة عن القارئ بغض النظر عن سويته الثقافية، هي لغة بسيطة وسهلة لم أتقصّد ان أنال من معاجم اللغة أبعدها عن الفهم. وبالنسبة إلى سؤالك بالطبع أي شاعر او كاتب يتمنى ان تُترجم نصوصه إلى لغات أخرى غير لغته الأم.

- يردّد البعض بأن الشعراءُ لا يقرؤون الشعر بل يفضلون الرواية، كما أنَّ الروائيين لا يقرأون الروايات بل يفضلون قراءة الشعر. لمَن تقرأ أميمة نصر الدين؟
- أقرأ الشعر والرواية معاً وعلى حد سواء، أي بما يغني الشاعر ويثري قاموسه اللغوي، فالقراءة كلما تنوَّعت تفتح آفاقاً أمامه لينتقل إلى عوالم اخرى. واكثر ما احب قراءته هو الأدب المترجم شعراً ورواية أشعر بقربه وببساطته وعمقه وأميل إلى كل ما هو حداثي ومبتكر في عالم الشعر.

- هل توافقين على فكرة انه من حق الجميع أن يكتب؟ ومن برأيك يجرؤ علی الحكم علی نص أدبي أو شعري؟ هل هو القارئ، الشاعر أم أستاذ اللغة؟ علما بأن آفة الرأي الهوى.
- طبعاً من حق الجميع أن يكتب. الكتابة ليست حكراً او ملكية خاصة لأحد. أن تكتب يعني ان تكون حرا واعيا لما تنسجه، صادقاً في نقل طاقة الكلمة لتترك في النفس أثراً لطيفاً وعميقاً تماماً كما تفعل الحصى في البحيرة من دوائر لا تنتهي حين تسقط على صفحة الماء. ولا بد للشاعر ان يكون متمكناً من أدواته في الكتابة، ولا بد أن يكون للنقد حيّز كبير في حركة الشعر وفي بنية القصيدة على الرغم من قناعتي بأن الابداع هو حر في تشكُّله.

- أنت ابنة ثقافة تحاصر المرأة وتقيّدها عموماً، فما بالك حين تكونين أديبة أو شاعرة. كيف أفلتِ من حصار كهذا؟
- المرأة متصلة دائماً بالشعر. كل امرأة هي شاعرة حتى لو لم تكتب الشعر، لما تمتلكه من صدق في العاطفة وقدرة على التعبير. لقد كانت المراة الملهم الأول لكل الشعراء وكانت تتغلغل في بنية قصائدهم وتسطع بين سطورهم، فكيف يمكن للتقاليد محاصرتها وهي أم الشعر وابنته. هدمت المرأة بقدرتها على الإبداع كلّ الاسوار التي تحجب عنها نور الحقيقة والحياة.