السوريالية ، تلك الوردة السوداء في بستان الحركة الشعرية الحديثة ما زال عبق ذكرها يتطفل على حياة الشعر ويمنحها، ربما، بما يليق بالتحريض والتحّرك في أفقٍ مختلفٍ ، أوعصيبٍ ،على ذاكرةٍ مفعمةٍ برخاوة الإنتماء إلى الماضي ،والذاكرة في الشعر العراقيُّ مستويةٌ في حكمة المعارضة والهجاء السياسيّ مع رفقةٍ حزينةٍ للخيبات في الحب والترجيّ وفقد المحبوب. أمّا أن يخرج من الضالّة عن النسق، عن التآلف والضجيج المسموح فهو خسارةٌ وتطفّل لا يليق بمألوف العادة والتقليد ورضا الجماعة. هكذا حدث مع أبو الشمقمق وشعراء الكدية وابن سكّرة وحتى مع الخارق أبي نؤاس. إذن ما الذي تركه لنا في الثقافة من إرثٍ وتحّفزٍ في هذه العلاقة المسمومة بالشك، في الفلسفة، والتنوع في حريّة الإختلاف، والتّحرك في فضاء الخيال؟ *
من اللائق والنزاهة الإصغاء إلى الصوت المكتوم في مخالفته للعادة مهما كانت بنيةُ شرعيته أو اصطدامه بالواقع. ربما يُستقبل بالترفع والرفض الساخرمن الذين لا يرون فيه فناً باعتباره ليس مقبولاً من علانية ذوقية اجتماعية. أوشعراً فاقداً للأصول. فإذا كانت للحربين العالميتين ذاك التأثير الخطر على الذائقة الشعرية في أوروبا بما انتجته في عصاراته من الدادائية والسوريالية فما لنا نقلل من الخسارات العراقية وحروبها ونكساتها الإنسانية التي ما زلنا نعاني من هولها؟ لم لا ينتج أدبنا نصاً ليس له علاقة بالنطق والعقل الجمعي؟ أعني اللاوعي والنظر إلى الداخل بعين الحدس والسؤال المتأخر عن الاتفاق.
يدخل ميشيل الرائي ، أوأنور الغساني أو زيدون إلى عالم الكتابة من باب التخفي والقناع. ثلاثة أسماء وربما يقتفي أثر بيسوا، أو الدادائي جاك فاشيه الذي أثّر في أندريه بريتون لتتكون بذرة السوريالية معه، ذاك الداندي المتأنق المنتحل شخصيات مختلفة وسط قاع المدينة وأحيائها السفلية وانتحاره، الذي مصدر حياته السخرية والإبهام واللاجدوى، لأن الفن هو الخيال، بل صنع المخيلة العجيب. وهو بعد هذا لا يخفي إعجابه ودهشته بتريستان تزارا كمُلهم في جريانه وسط القلق الشعري بكولاجات وإشارات صوتية.
تتصدر مجموعته الشعرية التي لم تُنشر ورفضتها بعض دور النشر مقدمات تمهد للتجربة.
"لو اقتصرت كتاباتنا على الأمور المفهومة فقط، ما توسع حقل المعرفة أبداً ." عزرا باوند
و" ثمة شاعر ينام في قصيدته ، فيغفو معه القراء" عبد القادر الجنابي.

من نصوصه :
أنا صفيرُ رياح المعارضة
في ظّل الساحل المعماري
وجدني المخبر الحذر في الفانوس الأحمر
ووجدني الخشب،
والنساء والملصقات الشركات
وألم فولتيغ
أضواء ٌحمراءُ في بيانو الصوف
يا طبول البأس
امزجي كسلي الفني برثاء كهنوت قديم "
وفي نص آخر:

"من عينيكِ لُغم الشمس يشرق
على أعتاب الحلم
تحت كل ورقةٍ رجلٌ مشنوق
داخل أحلامكِ الكارتونية
وعلى طول نيزك
طيات الشجرة تبكي
وفي كف الورقة
قرأتُ خطوطَ حياتك

نباتاتكِ المتوترة
وأعشابكِ البحرية
تعيش الكثير من الليالي الطويلة جداً."
عنوان كتاب ميشيل الرائي هو " كوكا كولا السنوات " الذي يأمل نشره.