ربما يجهل كثيرون بأنَّ الحلم الذي نتذكَّر بأننا قد حلمناه هو غير مطابقٍ نهائياً للحلم الأساسيّ الذي شاهدناه أثناء نومنا!
والسبب وجود عملية عقلية تقوم، تلقائياً، بتحديد الشيء المنطقيّ والشيء الموضوعيّ في الحلم وإمكانية فرضه، ذهنيَّاً، على جميع الأفكار والأخيلة اللامعقولة والافتراضيّة. وتُدعى هذه العملية بـ: آلية المراجعة الثانوية.
إنها بمثابة "مقصّ الرقابة" الخاص بالوعي، والذي يستأصل أكبر قدر من اللامعقولية في التصوُّرات الذهنيَّة. وتُعدُّ وظيفة تقييم الحلم الليليّ، من خلال الصحو، وإجراء تغييراتٍ عليه وإخراجه بشكل يقبله المنطق، من أبرز الوظائف التي تقوم بها هذه الآلية بالإضافة إلى أدوارٍ أخرى تؤدّيها. ولتوضيح الدور الذي تلعبه هذه الآلية في تنميق الأحلام وجعلها أكثر عقلانيَّة، سنعرض هذا المثال: قد تحلم بشخص متوفَّى وتتحدَّث إليه أثناء الحلم وكأنه حيّ، أو ترى شخصاً لا تعرفه في الواقع، وقد رأيته في التلفاز، تجلس معه وتتعامل معه أثناء المنام وكأنه صديقك! والكثير الكثير من هذا الخلط يحصل في المنامات الليلية، لكنه
لا يساوي شيئاً إذا ما قُورن بالشكل الحقيقيّ والمادة الخام التي يكون عليها الحلم قبل لحظة استيقاظنا! فبعد الاستيقاظ يستفيق الوعي والإدراك والمحاكمة والمنطق وكل تلك المنظومة الشعورية، ولدى محاولة كلّ منَّا استرجاع ما رآه في حلمه أو القيام بكتابته وتدوينه، تتدخَّل آلية المراجعة الثانوية وتبدأ عملها دون إرادةٍ مباشرةٍ منا ودونما انتباه. حيث إن موقع هذه الآلية هو "النظام النفسيّ القبل شعوريّ"؛ وهذه الآلية هي آليةٌ نصفُ واعيةٍ. لكنَّ أداءَها بالمجمل يبقى قاصراً عن الإحاطة بكل تفاصيل الحلم، وهذا شيء نلحظه جميعنا. وبالتالي فإن آلية المراجعة الثانوية هي مصفاة المنطق الخشنة الخاصة بتذكُّر الأحلام واسترجاعها. وخلاصة القول، فإن الحلم الذي نتذكَّر بأننا قد حلمناه –كما أسلفنا في بداية المقال- ليس مطابقاً أبداً للحلم الأساسيّ الذي شاهدناه خلال نومنا! فثمَّة "يدٌ" قد تدخَّلت وقامت بالكثير من التغييرات لمصلحة الوعي والإدراك. إنها يدٌ شبيهةٌ إلى حدٍّ كبير باليد التي تقوم بتحرير المقال الثقافيّ، والتي يتمّ من خلالها تصحيح الأخطاء اللغوية وترتيب الأفكار بشكلٍ يُسهِّلُ على القارئ فهمها وتلقيها، إضافةً إلى تبديل العناوين إذا اقتضت الحاجة، لذلك من أجل إبراز أفكار تجذب القارئ أكثر من غيرها.

باحث سوري في علم النفس التحليلي.