ترجمة حسونة المصباحي

بحسب نقاد الشعر، يُعْتَبَرُ جيل سوبارفيال (1884-1960) واحدا من أهم الشعراء الغنائيين في القرن العشرين. ولأنه نشأ وعاش في الأوراغوي، فإنه لم يتأثر بالموجات الجديدة والحديثة في الشعر الفرنسي، مقرا بأن هدفه كان منذ مجموعته الأولى "قصائد المزاج الحزين" (1919)، وحتى مجموعته الأخيرة "أجساد تراجيدية " هو المصالحة بين الشعر الكلاسيكي الغنائي، والشعر الحديث :"كونوا رفقاء بالشاعر... الشاعر الأكثر لطافة بين كل الحيوانات... امنحوه لاحتفاله قبعة المترجم".
في قصائده تحضر سهول "البامبا" الشاسعة، تلك التي كانت تفتن بورخيس، والأبقار الهادئة، والمحيط الأطلسي من شرفة الباخرة المبحرة باتجاه أوروبا، والقرى الصغيرة، والجبال الشبيهة بجبال "البيريني"...
عنه كتب أحد النقاد يقول :"منذ مجموعته الأولى الصادرة عام 1919، لم يتوقف جيل سوبارفيال عن رسم الاشتباك الفجئي بين الحزن والفرح. وإن هو أطرد الحزن بالشعر فلكي يعثر من جديد على حزن آخر جديد، أشد حزنا وأقل قساوة".

الباقي على قيد الحياة

حين يستيقظ الغريق في عُمْق البحار
ويشرعُ قلبه في الخفقان مثل أوراق الحور الرجراج،
يرى مقتربا منه فارسا يسير مُهَمْلجا مثل الدواب
ويتنفس بارتياح مشيرا له بألاّ يخشى شيئا:
يُلامسُ وجْهَهُ بنَفَس من حزْمَة من الزهور الصفراء
ويقطع أمامه يدا من دون أن قطرة واحدة حمراء.
اليد سقطت في الرمل حيث تذوب من دون زفْرَة،
يد أخرى شبيهة بها تأخذ مكانها والأصابع تتحرك.

والغريق يَنْدهشُ لقدرته على ركوب الحصان،
وادرة رأسه إلى اليمين وإلى اليسار
كما لو أنه في وطنه الأم.
كما لو أن حوله سهل شاسع، والحرية، والسماح له بأن
يَمُدْ يدَهُ ويقطف ثمرة الصيف.
هل هو الموت إذن، هذه النعومة الجوّالة
التي تستدير نحونا من أجل حُظْوَة غامضة؟
وهل أكون أنا الغريق مُهَمْلجا بين الطحالب
ويرى كيف تَتَشَكّلُ السماء وقد أوجعتها الخرافات.

تحولي الأخير
فجأة شعرت أني حصلت على ما أبتغيه وأتمناه. فقد أصبحت كرْكَدَنّا أقفز في الدّغْل، مولّدا حولي الصبّارَ الشوكي، والغابات الرطبة، والسباخ العَكرة، وفيها أسبح بمتعة. كنت قد غادرت فرنسا من دون أن أنتبه واجتزتُ فيافي آسيا الجنوبية بخطوة الجندي القديم في ممالك الإغريق والذي قد تكون له أربع قوائم صغيرة. وأنا المعطوب كالعادة، بات بإمكاني أن أواجه الصراع من أجل الحياة بحظوظ أوفر على النجاح. وتحولي بدا لي مُظفرا حتى الأعماق، بل أوشك على أن يكون عملا عظيما حين سمعت بشكل واضح بيتين لمالارميه في رأسي الصلب ذي القرون.
وبالتأكيد كان لا بد أن يُعَادَ كل شيء من جديد.