انتشرت اليوغا في المجتمعات الغربيَّة على شكلِ رياضةٍ بدنية وعقليَّة، وذلك بعدما تمَّ استخلاص الجزء المفيد منها، وتجاهُل الهالة الضبابية التي كانت تحيط بها. وعلى الرغم من اعتبار اليوغا، لدى الكثير من ممارسيها وروَّادها، ذات جوهر "روحانيّ"، واعتقادهم أيضاً بأنها تعمل على مقاومة أمراض شائعة مثل السرطان والسكّري والروماتيزم من خلال تنشيطها خلايا المناعة المتوالدة في نُخاع العظم... إلا أنه لا يؤخذ بفعاليتها إطلاقاً على الصعيد العلمي. لكن ماذا عن الحالات التي تمَّ شفاؤها فعليَّاً من خلال ممارسة اليوغا؟ يجهل كثيرون بأن اليوغا تعتمد في كواليسها على عاملين اثنين هما: العامل التأمُّليّ والعامل الإيحائيّ. التأمُّل من حيث الشكل هو تعليق الذهن بشيءٍ ما، والمواظبة على ممارسة هذا السلوك للوصول به إلى أقصى حدود الصفاء الذهنيّ، وبلوغ ما يُسمَّى في اليوغا "النعيم الفائق" والذي يُعتقد بأنه ناجمٌ عن التوحُّد مع "الروح الكليَّة" للكون. لكنه في حقيقة الأمر ليس سوى عملية وصول إلى أقصى درجات احتياز الشعور وتوسيع رقعة اليُسر الذهنيّ، إضافةً إلى الأداء المتناغم لخلايا المخ في حالة النشاط المثاليّ.
بينما يمثِّل الإيحاء عامل الدفع بالدماغ العميق (اللاواعي) لإجباره على القيام بواجباته التي كفَّ عنها منذ زمنٍ، على هيئة "إعادة ترميم ذاتي"، وذلك عن طريق تأثير الجانب الذهنيّ على نظيره الماديّ في الجسم. وتالياً، فإن حالات الشفاء التي تمَّت من خلال اليوغا كان السرُّ وراءها هو التحفيز الهادئ لقشرة المخ يليه تحفيزٌ مُثمرٌ وفعَّال للجهاز الطرفيّ (الإعاشيّ).
وهذا أمرٌ تكرَّر نظيره في ممارساتٍ أخرى غير اليوغا، وخيرُ مثالٍ على ذلك ما كان يحصل مع الطبيب الشهير "مِسْمِر" والذي قام بشفاء الكثير من الحالات الهستيريَّة (مثل الشلل) من خلال الإيحاء! بينما كان يزعم في حينها، ويعتقد ذلك صادقاً، بأنَّ هناك طاقة "مغناطيسية" موجودة في الإنسان يستطيع توظيفها في عمليات الشفاء من الأمراض. ولكن في نهاية المطاف تمَّ إرجاع سبب شفاء بعض تلك الحالات، علميَّاً، إلى الإيحاء (أي إلى استعدادٍ ذاتيّ للشفاء والمساهمة فيه) وإلى شخصيته "الخارقة" والموحية. وبالعودة إلى موضوع التأمُّل لا بدَّ من الإشارة إلى الفوائد التي قد نجنيها من خلال ممارسة تقنية التأمُّل هذه، حتى ولو حصل ذلك الأمر بمعزلٍ عن الإيحاء المُكمِّل لها والمُتمّم لدورها الشفائيّ. وأبرز تلك الفوائد يتمثَّل في تخفيف مستوى التوتُّر والقلق، وأيضاً التعصُّب والتعنُّت في الرأي والمنافسة المَرَضيَّة لدى ممارسها؛ حيث إنها تلغي مسألة استثمار الإنسان لمناطق
قليلة ومحدَّدة من دماغه على حساب تعطيله مساحاتٍ أخرى تبقى خاملة لا تعمل. وذلك من خلال تحفيزٍ شاملٍ، بشدةٍ أقلّ وانتشارٍ أكبر، يطال أرجاء الدماغ كافَّة. أي بما يُلغي ظهور مناطق مُرهَقة ومُستهلَكة بفعل الإسراف في تحفيزها، يمكن أن تتحوَّل مع مرور الوقت إلى ثغراتٍ يسهُل من خلالها اختراق صاحبها والتأثير عليه وتسييره لأغراضٍ لا تخدم مصلحته، بل تضرُّ بشخصيته وحياته برمَّتها.

باحث سوري في علم النفس التحليلي