(وجدت في الاستمرار بالكتابة والاهتمام الجاد بمعاناة العراقيين المنفيين بشتى أصنافهم ومذاهبهم وانتماؤهم الفكري هي الطريقة الأمثل للتغلب على ظلام المنافي ووحشتها وغرابتها وغربتها التي طالت كثيرا ونالت من العمر أوصاله الممزقة ...).

اجرى الحوار: د. توفيق التونجي

الاديب العراقي و كاتب المنفى الذي لا يزال يحلم بوطن سعيد رغم الليالي الاسكندنافية الداجيه الأستاذ علي عبد العال. يشاركنا اليوم في هذا اللقاء كي نكتشف عن سر بقاء وخلود الانسان في ارض الرافدين. رغم لم ننل على عشب الخلود الذى وصله وصل حنفيش قبلنا. اللذين يعرفون عن كثب (أبو نوار) يعلمون مقدار تفاؤله في منفى قضى فيه نصف عمره هنا السنة نصفها منير ونصفها الاخر ظلام ودجى كما هو عليه القمر. وهل سمعتم قارئي الكريم ب كئابة تأتي البشرفي فصل الصيف رغم كل النور؟ انه بلد الاساطير جهنمهم صقيع بارد في اساطيرهم يتحدثون عن وحشية البشر والهتهم لا يعرفون الرحمة وكبيرهم اعور يرى بعين واحدة لكنه يهدم ويقتل بمطرقته.

- حدثنا كيف اكتشفت سر البقاء رغم كل الدجى من حولك؟
- تعرف جيدا دكتور توفيق أنا وأنت والكثير من أمثالنا خضنا تجارب المنافي القسرية، وهي في العموم تجارب قاسية ومتشظية وأحيانا مدمرة حطمت حياة بعض المنفيين الحالمين بوطن جميل وعادل يكفل لهم حريتهم وكرامتهم، بيد أن تلك الأحلام العظيمة تحولت إلى مجرد أوهام كالحة لم تستطع بعض الأرواح النقية والشفافة والنبيلة من تحملها على الرغم من شدة تفاؤلها بالمستقبل وإيمانها بانتصار الأمل على الألم فضاعت تلك الأرواح النبيلة في دهاليز العزلة والإحباط ومن ثم التلاشي جسديا أو معنويا والشواهد كثيرة على ذلك.
ولنا، بعد ما يقارب النصف قرن من النفي المجحف في بلدان وأماكن لا نطيقها ولا تطيقنا هي الأخرى، شواهد ساطعة ومؤلمة على هذا الوضع الشاذ والغريب الذي خطط له دعاة الظلام وقمع الحريات من دكتاتوريين وأخلافهم من الظلاميين يستمرون حتى هذه اللحظة بتدمير الوطن والعبث بمقدراته ومقدرات شعبه الذي وضعوه في قلب المجهول ناهيك عن القمع والفقر والجوع والتشويه وطمر جميع معالم العراق الثقافية التاريخية والمعاصرة وتغييب أرثه الحضاري الكبير. وبجردة خاطفة نجد أكبر الرموز الثقافية العراقية المعاصرة ماتت في المنافي والشتات دون أن تهتم الحكومات الجائرة حتى مجرد تكريمهم بقبر يضم رفاتهم الكريمة فأي وطن جاحد، بالأحرى أي حكومات جائرة تهين رموزها الثقافية وأعلامها الباسقة مثل الحكومات العراقية منذ الستينيات من القرن الماضي وحتى هذه اللحظات الرهيبة التي يمر بها العراق؟ بدأ من الجواهري الكبير مرورا بالمفكر الكبير هادي العلوي إلى عبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري والفنانة الكبيرة زينب وغيرهم ممن دفنوا بعيدا عن وطنهم الذي أحبوه أفنوا أعمارهم بالتغني به والتضحيات في سبيله. ويوجد من الرموز الثقافية الكبيرة مازالت تبحث عن طريق كريم هو عبارة عن قبر في وطنهم الحلم كالشاعر الكبير مظفر النواب وقائمة تطول تضم العشرات بل والمئات من مثقفي العراق تنتشر في اصقاع الكرة الأرضية لا تكفي صفحات كاملة بذكر أسمائهم وعناوينهم وإسهامهم الثقافي والعلمي الذي ذهب لخدمة منافيهم بدل وطنهم الذي أدار لهم الظهر، بل مرغهم بالذل والهوان، وهو حتما أمر يثير الغضب والاشمئزاز لدينا.
أما فيما يتعلق بي شخصيا فقد حاولت التكيف قدر الإمكان مع قساوة هذه الأوضاع الشاذة مستلهما تجارب من سبقوني في هذا المضمار، ووجدت في الاستمرار بالكتابة والاهتمام الجاد بمعاناة العراقيين المنفيين بشتى أصنافهم ومذاهبهم وإنتمآتهم الفكرية هي الطريقة الأمثل للتغلب على ظلام المنافي ووحشتها وغرابتها وغربتها التي طالت كثيرا ونالت من العمر أوصاله الممزقة.

- الاساطير جزء اساسي من الأدب الإسكندنافي، فصغيرهم يجوب البلاد على ظهر أوزه أو طفلة ترفع حصانا بيديها، وكبيرهم مجنون يكتب الشعر وأديبهم مهووس يكره النساء كيف تمكنت من عكس هذا الموروث الثقافي في اعمالك؟ في متاهتك نجدك تعالج موضوعا سياسيا بإطار نقدي هل تعتقد توصلت في معالجتك الى حلول الإيجابية لتلك المتاهة؟

-المهاجر في المنفى يجابه دوما ما يسمى ب دهشة أو صعقه ثقافية وأحيانا كثيرة يتناقض الواقع الجديد مع ثقافته التقليدية الشرقية ويبدأ بالانعزال و التمرد وإنشاء مجتمعات مغلقة مكونا ثقافة بديله يعتمد بالدرجة الأولى على اعرافه وموروثه الديني الشرقي هل تمكنت من معالجة تلك الظواهر الثقافية للمهاجرين في اعمالك؟
- هذه الاسئلة هامه ومركبه، بالأحرى يتكون من ثلاثة محاور كل محور يفوق الأخر بالأهمية والتعقيد. لكنني سأوضح قدر الإمكان هذا التعقيد والتلابس بين هذه المحاور. فيما يتعلق بالأساطير والفانتازيا المبدعة فأن ودورها في بناء المخيال الفردي والمجتمعي، فهي عناصر هامة وحيوية في عملية تنمية الإدراك البشري ونقله إلى عوالم جديدة كانت مفقودة قبل هذه العناصر الفانتازية المبدعة، ولمجرد التذكير أقول أن معظم الاكتشافات العلمية الهامة والتي نقلت المجتمعات إلى مراحل عظيمة من الرقي التقدم كانت مجرد رؤى وأحلام فاتازية تحولت بجهد خيال العلماء إلى واقع ثير للدهشة، الوصول للقمر وسبر أغوار الكواكب البعيد كانت مجرد خيال تحول إلى واقع عملي يقرب من الشعر و الأحلام. كذلك عمليات الطيران البشري ونونها كانت مجرد أحلام فانتازية تحولت على واقع عملي معاش مدهش ونراه بسيطا على الرغم من تعقيداته العلمية وحساباته الرياضية العميقة.
بالنسبة لرؤيتي إلى هذه الحالة من خلط الأحلام ولفانتازيا بالعناصر الواقعية وتحويلها إلى اختراعات علمية جديرة بالاحترام والتعجب هو أمر جيد نافع وممتاز. ولنتخيل عالم بدون (روايات هاري بوتر) و (فلورنس نايتنك كيرل) وبدون رسومات (ليوناردو دافنشي) العلمية وغيرها الكثير من عوالم الفانتازيا لكنا عبارة عن مجتمعات بدائية تولد وتعيش وتموت دون ترك بصمة كما توصل الفيلسوف الصيني العظيم (كونفوشيوس). ولنتخيل مجتمعا واقعيا جافا وصلدا كمجتمع الاتحاد السوفيتي السابق والمجتمعات الأسيوية المليئة بالسحر والفانتازيا والأساطير كالهند واليابان وغيرها من الدول التي وصلت إلى أرقى المستويات العلمية والتقدم العلمي والتكنلوجي مع الحفاظ على تقاليدها العريقة الضاربة الجذور في المخيال الفردي والمجتمعي .
لقد تعاملت مع هذا المحور على أساس أنه خيال جميل مع نبذي للخرافات الدينية السطحية والشعوذيات الخاوية من قبل الدجالين والمحتالين.
أما فيما يتعلق بالمحور الثاني والذي يدور حول الصدمة الثقافية والتي أسميتها حضرتك بالصقعة والدهشة، فمن دون شك مررت بهذا الطور أو المنعطف الجديد وانعكس ذلك على مجمل أعمالي القصصية والروائية. فخلال دراستي الجامعية في إحدى الجامعات السويدية قسم الصحافة والإعلام أطلعت على أعمال سويدية وعالمية وأنماط من التفكير الجديد والمتطور وكيفية النظر من منظور آخر أكثر انفتاحا وأكثر جدية وأكثر استيعابا للمتناقضات البشرية والأحداث الاجتماعية والتقلبات السياسية والفكرية وغيرها من الأمور.
وأود التنويه بقضية هامة تتلخص بأن الأديب والمثقف كلما كان لديه مخزون فكري وثقافي متنوع وواسع كلما يسهل عليه تجنب الصدمات الثقافية القوية والتعامل معها إيجابيا.
اما فيما يتعلق بالمحور الثالث والأخير من السؤال، وهو يتناول روايتي "مقتل علي بن ظاهر ومتاهته" وهي كما تعرف محاولة كتابة وثيقة سياسية بإطار أدبي، فقد تناولها القراء المهتمين بهذا الشأن إما بالترحيب وإما بالسخط بقدر ما تهم المسؤولين الحزبيين ممن أخطأ بحق المناضلين والثوار من أجل عراق حر ووطن سعيد. لكن بآخر المطاف تقبلت اعتذارهم بعد مرور الزمن وفوات الأوان. وقد انصفها الناقد العراقي د. حسين سرمك بنقد جاد وحفاوة لائقة وكتب عنها الكثير مدحا وذما وهذا هو مصير كل عمل أدبي يروق للبعض ولا يروق للبعض الآخر.

- اقمارك كتبت عنها قبل سنوات اود ان اعود الى الموضوع الأساسي في حياة المهاجر الطوعي اوالقسري في معاناته مع أسلوب حياة الاسكندنافي وثقافتهم حدثنا عن ما بعد الأقمار هل ترى هناك أي تغير بعد سنوات من التغير في الشرق فيما يسمى ب الربيع العربي وتغير العديد من الاتجاهات السياسية وتحولها الى تبني أفكار نجد جذوره الفكرية في التراث الديني؟
ا- ٔبناء المهاجر يعانون من متاهة الانتماء ويتجه البعض الى التطرف والتمرد بينما يحاول السياسي تخطيط سياسات للتكامل يسميه العنصريون بالانصهار أي تبني وقبول جميع شروط وأسلوب حياة المجتمع الغربي هل ترى المستقبل يحمل أي امل للأجيال القادمة في عالم يتجه نحو التطرف؟

- ثلاث عقود من المنفى انتجت فيها الكثير وكتبت عن هموم الوطن ماذا يحمل المستقبل من جديد؟
- مرة أخرى أجد نفسي أمام عدد من المحاور التي تحتوي على الكثير من الأسئلة بين طياته؛ في رواية "أقمار عراقية سوداء في السويد" الصادرة عن دار المدى العراقية وفرعها في بيروت وهي الرواية الأثيرة لديّ كونها تمثل النمط الجديد التي خضته على المستوى الأسلوبي والأبعاد الجريئة التي تناولت فيها معاناة شرائح من المنفيين العراقيين وغيرهم. بكل تأكيد استفدت كثيرا من أجواء الحرية المتاحة في السويد والغائبة في بلداننا الشرقية وتراثنا الديني المنغلق على نفسه والخانق للحريات البسيطة وأولها حرية التعبير عن الرأي.

- قرأ الرواية الكثيرون من المنفيين البسطاء والمهتمين وقرأها بعض الصحفيين والكتاب العرب وكتب عنها الكثير من النقد سلبا وإيجابا كما هو معتاد. ويستطيع القارئ الكريم أن يبحث في جوجل عنها. الرواية صدرت في طبعتين وقد أثنى عليها الكثير من المهتمين والمختصين ومنهم جنابك الكريم.
- أصدرت بعدها عدة أعمال أدبية منها رواية "ميلاد حزين" و "أزمان للمنافي" و "جمر عراقي على ثلج سويدي" وغيرها من الأعمال التي سيرد ذكرها في النبذة المختصرة الخاصة بي مع هذا الحوار. كما يعكف اتحاد أدباء العراق في بغداد على طبع روايتي الجديدة "رُقم الغياب.
حاليا أعكف على رواية تخص الأوضاع الأخيرة في سوريا. وقد عشت فصولا منها في دمشق وهي بعنوان "صبية أسمها سورية". ونظر لتسارع الأحداث المدمرة وتلاطمها كالبحر الهائج أتريث بإرسالها للطبع.
وأخيرا وما سمي بالربيع العربي ما هو في الواقع سوى جحيم مدمر وإجرامي غايته تدمير الشرق الأوسط برمته وقد نجحت بعض فصوله الدامية في سوريا ومصر وليبيا والعراق وفلسطين واليمن وتونس والجزائر وغيرها من الجيوب السياسية والميليشيات المسلحة لنشر الدمار والخراب والجهل في عالمنا العربي المنهار أصلا منها تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية داعش وجبهة النصرة ومن جر جرها من تنظيمات إرهابية كثيرة ومتفرعة ومتكاثرة على مدار الأيام.

في ختام لقائنا هذا نقدم الشكر الجزيل للأديب العراقي علي عبد العال الذي وبحق يمثل الروح العراقية في المنفى.
ديب علي عبد العاللاا
مواليد العراق ـ الديوانية، 1956
درس القانون والسياسة في جامعة بغداد، 1975 ـ 1979
عمل بالصحافة العراقية والعربية والسويدية
عضو اتحاد الكتاب السويديين منذ عام 1996
غادر العراق 1979
مقيم في السويد منذ العام 1990

إلاصدارات:
المشي في الحلم، مجموعة قصصية. دار الصداقة للنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، 1987
مقتل علي بن ظاهر ومتاهته، رواية. دار المنفى ـ السويد، 1996
أنشودة الوطن.. أنشودة المنفى، مجموعة قصصية مشتركة. دار الكنوز الأدبية بيروت ـ لبنان، 1997
العنكبوت، مجموعة قصصية. دار المنفى السويد، 1998
أقمار عراقية سوداء في السويد، رواية. دار المدى للثقافة والفنون ـ بيروت ـ لبنان، 2004
ميلاد حزين، رواية. دار حوران سورية ـ دمشق ،2005
أزمان المنافي، ثلاث حكايات. دار حوران سورية ـ دمشق، 2005
عالم صغير جداً، مجموعة قصصية. وزارة الثقافة السورية، 2007
جمرٌ عراقي على ثلجٍ سويدي، رواية. دار التكوين. سورية، 2008
تحت الطبع:
العودة إلى الرحم ـ رُقم الغياب، رواية
صبية اسمها سورية، رواية
البريد الالكتروني:

[email protected]