ننتظر في حياتنا اليومية حدوثَ أشياء إيجابية، لكنها في الغالب لا تحدث ساعةَ توقُّعنا لحدوثها! بل تحدث في وقتٍ آخر، أي في الوقت الذي لا ننتظر فيه وقوعها! وأحياناً تأتي ومعها أشياء أُخرى إيجابية كنَّا قد صرفنا النظر عنها منذ زمن طويل! وفي أحيان أُخرى تزورنا مجموعة من المواقف السلبيَّة متراصَّةً خلف بعضها بعضاً كأحجار الدومينو!
فما هو السببُ في ذلك كلّه يا تُرى؟ وهل هي مجرَّد صدفة عابرة؟ أم أنها، كما وصفها يونغ، تزامنٌ لمجموعةٍ من الأحداث تحمل بين جنباتها معانيَ ذات مغزىً؟
ينتمي مفهوم يونغ حول "التزامنية السببيَّة" إلى ما بات يُعرَف اليوم بالعلوم الزائفة؛ شأنه شأن التنجيم والسحر وقراءة الكفّ وغيرها.
أضف إلى ذلك كلّه مفهومه الغريب حول اللاوعي المُجرَّد من كونه عضوياً وذاتياً في كلّ إنسان، والنظر إليه كمكوّنٍ لمجموعةٍ من الأشخاص في آنٍ واحد.
يدعم يونغ مفهومه للتزامن ببضعة أدلة منها وقوع أمرين متطابقين في الزمن نفسه، أحدهما واقعيّ والآخر عقليّ أثناء عملية النوم. فهو يرى بأن حصولَ حدثٍ خارجيّ أثناء النوم وتزامُن ظهوره في الحلم، هو تحرُّرٌ من العقلانية المُفرطة، ودليلٌ على ترابطٍ وثيق ما بين العقل وإدراك ظواهر العالم من حولنا.
لكن لهربرت سلبرير رأيه الأقرب إلى المنطق العلميّ، من خلال نظريته "الظاهرة الوظيفية" التي تُقِرُّ بقدرة الدماغ، بواسطة الاستشعار، على خلق تصوُّر ذهنيّ من خلال الحلم قادر على التفاعل مع كلّ ما يحصل خارج عملية النوم وحولها.
وفي معرضٍ آخر يتشاطر العالِم الباليونتولوجي تيار دو شاردان الرأيَ مع يونغ، حيث يقول: "إن العالَم الخارجي لا بدَّ وأن يتوافق مع العالَم الداخلي، وإن المجال العقليّ للإنسان مشابهٌ للحياة العضويَّة على الأرض".
غير أنَّ التشابُه القائم ما بين قانون "التجاور والتشابُه" العقليّ في نسخ الذكريات واسترجاعها ذهنياً، وبين ما تحدَّث عنه يونغ من ترادف للأحداث وتزامُن وقوعها في الحياة الجارية، يعود إلى معضلةٍ واحدة، ألا وهي محاولة الإنسان التعامل مع أحداث الواقع الفعليّ بالطريقة ذاتها التي يتعامل فيها مع مخزونه الذهنيّ الذكرويّ! فيساوي بين نشاط الذاكرة والذهن وبين السير الفعليّ لأحداث الحياة الموضوعية.
وخلاصة القول إن التزامنيَّة السببيَّة ليست إلا نزوع العقل البشري نحو تفسير المعلومات الجديدة بشكل يتوافق مع ما يعتقده الإنسان صحيحاً مُسبقاً، وتجنُّب واستبعاد للمعلومات التي تُعارض هذه القناعة مع الكثير من الانحياز، معتمداً في ذلك على عملية تُسمَّى "الاستسقاط"، وتعني إدراكنا العفويّ للصِّلات والروابط بين مجموعة من الظواهر غير ذات الصلة واقعياً.
والأمر ببساطة ليس أكثر من قدرة الإنسان العاديّ على النظر إلى السماء ومراقبة الغيوم ومحاولة تقريب أشكالها ذهنياً إلى أشكالٍ يعرفها سابقاً، فيرى في الغيمة الأولى أرنباً، وفي الغيمة الثانية جزيرةً، وهكذا.
وختاماً يمكننا القول بأنَّ كارل يونغ، على الرغم من كونه (كمُمارس) أعظمَ محلّلٍ نفسيّ في التاريخ، إضافةً إلى أنه صاحب إحدى أهم نظريات علم النفس التحليلي المتمثلة بالأنماط البدئية، إلا أنه قد جانَبَ الصواب من خلال موضوعه حول التزامن، وذلك بسبب تأثُّره بأفكار جاء بها من إحدى ثقافات و"روحانيَّات" الشرق القديم.

باحث سوري في علم النفس التحليلي