كل كاتب مسرحي لابد ان يستوحي مادة مسرحياته ومضمونها الدرامي, من الواقع الاجتماعي الذي يغوص ويعيش فيه, ويتأثر بكل احواله وملابساته ,في إثناء قيامه بعملية التشكيل الفني، ويبقى الكاتب المسرحي هو الضمير الواعي لمجتمعه, والمرأة العاكسة فهو يبلور, ويضع يده على الجرح وعلى كل نقاط القوة والضعف ,لأنه يستشف مالايمكن ان يراه الرجل العادي. من هنا تبرز اهمية الفن وخاصة فن المسرح بالنسبة للمجتمع المعاصر . فهي تشكل البؤرة التي تتركز فيها تجارب الحياة ,التي يعيش فيها المجتمع ,والذي يمتلك كل خصائص ومميزات التي تخلق منه مجتمعآ, يعيش الحياة الحرة لمجتمع سليم . لايمكن الفصل بين الفن والحياة ,وإذا حاولنا القيام بذلك معناه اننا فصلنا الروح عن الجسد. ونستطيع تطبيق ذلك المنهج على مسرح هنريك ابسن, نتوصل ان الصراع الدرامي في مسرح ابسن هو صراع اجتماعي، يفرضه المجتمع على الشخصيات, بسبب العامل الاقتصادي والتفاوت الطبقي، وابسن سلط ضوئه على ابعاد مجتمعه النرويجي وكذلك المجتمع الاوروبي،وخلق شخصيات مسرحه ,بهدف ابراز ملامح درامية اجتماعية حية، شخصيات تمثل أبعاد المجتمع المعاصر ، شخصيات تشيع الحياة على خشبة المسرح, ويتعاطف معها الجمهور وخاصةالعنصر النسوي, وكذبة العلاقات الاسرية المزيفة والهشة وفي لحظة الذروة تنفجر كل الصراعات, من خلال رسالة أو وشاية تمزق كيان الاسرة الواحدة, كما في مسرحية بيت الدمية والبطة البرية

ابسن والصراع الدرامي
فالصراع الدرامي في مسرحيات ابسن, مبني اساسآ على صراع اجتماعي تفرضه ظروف الحياة بكل ملابساتها ,فالصراع الدرامي ينهض على ضوء الصراع الخفي, مابين الزوجة والزوج كما في مسرحية بيت الدمية ،هيداغابلر،براند،بيرغنت.وقد قال برناردشو:'كل مايجري في بيت الدمية يجري في كل ضاحية في اوروبا'،اما مسرحية البطة البرية لها صدى كوني, وموقف هيلمر ومثالية الطبقة الوسطى، وعجز سيغموند فرويدعن البحث عن نمطية المصاب من مرضاه ,لكنه رآها ووجدها في احدى بطلات ابسن. كان هنريك ابسن يكتب ثلاث مسودات لمسرحياته ,فهي تتباين من حيث رسم الشخصية ,وليس الفعل اي الفعل ليس موضع تغيير، يؤكد ابسن انه يعرف كل شيئ عن شخصياته, من خلال سجاياهم وغرائب طباعهم ،'وفي الختام اشعر انهم اصدقائي الحميميون ,ولن يخدلوني اراهم دومآ كما اراهم الان'. فالفعل في مسرحيات ابسن لايلعب دورآ ثانويآ بالنسبة للشخصية المسرحية, فالشخصية المحورية في مسرحيات ابسن فمثلآ شخصية نورا: لايمكن ان تتخادل
اوتلين وهي المسؤولة عن النمو في حالة الصراع، و شخصية نورا لاترضى بأنصاف الحلول, ولاتعرف لغة المساومة، والصراع في شخصية نورا يصل الى الذروة عندما تصفع الباب, وتترك البيت.أما الصراع الصاعد في مسرحية هيداجابلر, مبني على الانانية والعجب بالذات ،وهيدا جابلر تقتل نفسها بسبب غبائها, وانها اوقعت نفسها في الشرك الذي صنعته بيديها

ابسن ابو الدراما الحديثة
وهو مسرحي اجتماعي مهما هاجمه النقاد في مسرحياته, وخاصة بيت الدمية،والاشباح, فشخصياته تمثل البطولة والنواحي الانسانية, كما في المسرحيات الاغريقية،اما القول القديم الشخصية هي القدر, لكن ابسن يحرك شخصياته ويكون قدره قد تحقق, ان الواقعية كانت تمضي بنجاح ,وقد اعطاها هنريك ابسن الشكل والاتجاه, من خلال وجوده القوي على المسرح الاوروبي، وشهرة ابسن المسرحية كمهندس للواقعية ,وتعتبر مسرحية البطة البرية ذات التكنيك, والتعاطف الدقيق مع شخصياتها, والمسرحية تركز على مواجهة الاكذوبة , حتى لو تطلب ذلك التضحية, بكل الاوهام لمواجهة الحقيقة. تعتبر مسرحيةالبطة البرية اوج عظمة مسرح ابسن ،وقد تعاطف المتلقي مع الطفلة هدفيج, وهي تضحي وتطلق النارعلى نفسها, دون التضحية بالبطة البرية ،وكان موتها رد على تمزق اسرتها, بسبب تدخلات الاناني والمثالي جريجرز, في خلق فتنة ضياع العائلة. اما مسرحية روزمرشولم ومسرحية هيداجابلر موضوع النساء ذوات الشخصية القوية، مثلآ هيداجابلر مفعمة بالانوثة والطاقة, تتميز هذه المسرحيات من عمق وثراء مثل مسرحية بيت الدمية ،البطةالبرية،مسرحية هيداجابلر،وهناك مسرحيات نسجت نسيجآ رمزيآ,وسرعان ماطواها الزمن مثل مسرحية رئيس البنائين،ومسرحية يولف الصغير،ومسرحيةسيدة من البحر,بعضالنقاداطلق عليه تسمية ابسن 'الناقد الاجتماعي' او ابسن 'الرومانتيكي' كل هذه التسميات مقبولة ظاهريآ يظهر ابسن في مسرحياته وبصورة متكررة تفاصيل رائعة في غناها وعلاقات زائفة ومجتمعات زائفة وحالة زيف الانسان، الاكذوبة المباشرة موجودة وبشكل تقريبي في مسرحياته وتستند الى الواقعية وحالات للتبدل اوثابتة. وغالبآ مايكون النضال في مسرحياته فردي, ضد الاكذوبة وصراع الانسان من اجل حياته, كما في مسرحية براندومطلبها أما الكل او لاشيئ . والطريقة الوحيدة لتذمير الانسان, هو بتحويله الى فرد. فنجد التحدي الفردي في مسرحيات عدوالشعب ومسرحية بيت الدمية،واعمدة المجتمع،اما في مسرحية بيرجنت هناك مطلب لتحقيق الذات, هذه هي النقطة الحيوية في المأساة الليبرالية ,في مسرحيات ابسن البطل محرر يواجه مجتمع زائف, كما في شخصيةستوكمان.احيانآ يكون البطل عالمآ مضادآ محمل ومليئ بالاكاذيب ,يحل ميراثه المدمر في داخله كما في مسرحية الاشباح .الديون هي الخطيئة في تدمير أبطاله, من خلال الصراع من اجل النور والحياة، وعليه ممكن ان نطلق تسمية مهمة على عالم ابسن افضل عالم ليبرالي، البطل في مسرحياته لايتحطم بفعل قوة خارجية ,البطل يعاني في مسرحيات ابسن من جراء تحكم التقاليد والعادات, ابسن يعتبر المسرح مرأة للعصر والمجتمع, تنفد الى صميم المشكلات الاجتماعية,وبعض النقاد اعتبر مسرحية الاشباح دار موبوءة ,وجميع ابوابها ونوافدها مفتوحة, رغم الجدل حول مسرحيات وشخصيات ابسن, فمسرحه بعيد عن السفسطة, والحلول مطروحة للنقاش ،هل افلحت نورا في مسرحية بيت الدمية في تركها للبيت ؟ وماذا تفعل ؟ هل نجحت ؟ اما في مسرحية الاشباح مسزالفنج هل تعطي السم لاءبنها ؟ معاناة الفرد والاحساس التراجيدي في مسرحيات ابسن، المسرح عند ابسن ليس مجرد متعة ليلية, لكن المتفرج يشاهد اوجه المجتمع الذي يعيش فيه ، ويؤكد في مسرحه على الحرية الفردية في مجابهة التقاليدوالاستبداد, المتوارث من أجيال في المجتمع البعض اعتبره ثائر برجوازي، اكتسب ابسن شهرته من المسرحيات الاجتماعية، ونقده للحياة الاجتماعية من وجهة نظر اخلاقية ونفسية، واسلوبه والتكنيك المسرحي الحديث، فمسرحياته احدثت ثورة اخلاقية واجتماعية، ان القضية المطروحة في مسرحياته هي طبيعة هذا العصر الحاضر . وشخصياته حية ونابضة، ابسن يغوص في اعماق شخصياته بطريقة فنية رائعة, تجمع بين التحليل النفسيوبين الواقعية, وشخصياته مشحونة بالفرح والحزن والحب والكره . وهدف ابسن في مسرحياته كشف طغيان الاكذوبة بطريقة فنية تجمع مابين الاثارة الدرامية ، نورا عاشت جحيم الانصياع ثمان سنوات لزوجها .عندما كتب ابسن مسرحية أعمدة المجتمع كانت البداية لسلسلة المسرحيات الاجتماعية ,والتي مهدت لشهرة ابسن الاوروبية والعالمية، في هذه المرحلة حاول ابسن الكف عن الكتابة واستخدام الموضوعات التأريخية اوالموضوعات المستمدة من الفولكلور, والحكايات الشعبية ومحاولة التركيز على كل مظاهر الزيف الاجتماعي, والتقاليد البالية في المجتمع المعاصر . وكانت مسرحية الاشباح افضل اعمال ابسن الاجتماعية,وكانت الرد الحاسم على منتقدي مسرحية بيت الدمية وهجوم على الزواج كمؤسسة اجتماعية،وكل عوامل التدمير في هاتين المسرحيتين ناتج عن الحالة الاجتماعية. اما أنضج مرحلة في كتابات ابسن هي الواقعية الحديثة, واستخدام الرموز في مسرحياته ,فالرمز في مسرحيةالبطة البرية هو البطة وعلاقتها بالمعمار الرمزي لمنزل اكدال, وكذلك دلالات التصوير الفوتوغرافي , وفي مسرحية بيت ال روزمر,هناك رمز الخيول البيضاء ورموز اخرى مثل الجسر, وكذلك حضور الزوجة المخيف, وفي مسرحيةسيدة البحر الرمز الاساسي هو البحر، وفي مسرحية هيدا جابلر والرمز في مسدسات الجنرال جابلر. وفي مسرحية 'بيت الدمية' شاهدتها كعرض مسرحي لفرقة برلين اخراج اوسترماير, واستخدام ثقافة البوب والرقص الحديث واستخدام المولتيميديا , برؤيا معاصرة ما بعد الحداثة, استخدم المخرج أكفاريوم حوض السمك وكذلك رمز المسدس, وفي الختام نورا تغتال زوجها هالمر،كانت المعالجة الاخراجية بوليسية, وعبارة عن فلم اكشن امريكي . واستخدام رموز مهمة مثل الحاسوب،والموبايل الجوال وموسيقى البوب . شهرة ابسن النرويجي عالميآ هو القائل: 'من اراد ان يعرفني عليه أن يعرف النرويج' ! كانت فرنسا وكتابها يتحكمون بالمسرح الاوروبي, وإذا بمسرحية بيت الدمية وبنائها الدرامي الجذاب والساحر,اصبحت مثل السمفونية في كل بيت اوروبي وتغيرت نظرة الناس, ابسن الان يقارن بشكسبير .ابسن شاعر وعبقري هو القائل : 'اذا اردت ان تكون شاعرآ عليك ان ترى' ابسن كتب مسرحياته لعصره ولكل العصور. ففي مسرحية بيرجنت هناك رمز مهم للجن او العفريت, هو رمز مشوه للقوى الانسانية المجردة من القيم الانسانية, اي الجني هو النسخة الحيوانية من الانسان . في الذكرى المئوية لرحيل الكاتب النرويجي العالمي هنريك ابسن والمعروف لدى النقاد وكل دارسوه بالكاتب الاجتماعي , وفاقت شهرته في اوروبا والشرق من خلال مسرحياته بيت الدمية ,والاشباح,عدو الشعب ومسرحيات اخرى تعالج قضايا اجتماعية.هكذا كانت الابسنية ومسرح القضية الاجتماعية، فمسرحه شديد التنوع والثراء, ولم يكن ابسن مجرد مصلح اجتماعي, فهو شاعر معاصر ومن شعراء المسرح، وكانت مرحلة كتابة المسرحيات الاجتماعية مرحلة تجريبية ,للكشف عن العلاقة مابين الفرد ومجتمعه, وبعد تجاوزه مرحلة الكتابة عن الفرد البرجوازي فقط .ويمكن اعتبار هنريك ابسن احد عمالقة المسرح العالمي كشاعر وكاتب مسرحي وباني اساس المسرح الواقعي؛ وفي السويد ازدحمت المسارح المهمة وخاصة المسرح الملكي دراماتن وكذلك المسرح الحكومي في ستوكهولم وعرض لفرقة مسرح اوسلو النرويجية. في ستوكهولم تعرض عشرة مسرحيات لهنريك ابسن خلال السنة

عصمان فارس مخرج وناقد مسرحي السويد