تقديم : إيمان البستاني

جميلة، مشاكسة، ومستقلة هكذا كانت الملهمة والفنانة فرانسواز جيلوت المرأة الوحيدة التي قالت (لا) لبيكاسو، المقالة عنها وهي في التسعين من عمرها، تستعرض لوحاتها الخاصة إلى جانب حياتها السابقة الشهيرة.
عندما قررت فرانسواز جيلوت اصطحاب طفليها الصغيرين ومغادرة بابلو بيكاسو في عام 1953، منهيةً علاقتهما التي استمرت عشر سنوات ، أخبرها العبقري الغاضب بأنها "ستتيه في الصحراء، لأن لن يكون لدى أحد أكثر منها من لمس حياته بشكل وثيق".
كان على خطأ، كانت الحياة بعد بيكاسو مغامرة مستمرة لفرانسواز، زواجها الثاني الذي دام 25 عامًا مع (جوناس سالك) عبقري آخر من القرن العشرين، طّور لقاح شلل الأطفال، رزقا بطفل ثالث، و حياة تظللها سحابة من صداقات عديدة، انجاز كتابان اخذا طريقهما للمبيع، ومهنة ناجحة كفنانة تواصل
الرسم كل يوم و هي في سن التسعين.
في شقتها قبالة سنترال بارك ويست ، حيث قسمت حياتها بين نيويورك وباريس ، يوجد استوديو كبير مزدوج الارتفاع بخزائن كتب ممتدة من الأرض حتى السقف، ونوافذ مواجهة للشمال، وحاملان لأعمالها الحالية: زيوت تجريدية بألوان رنانة، ترسمها بدون تخطيطات أولية وبكلتا يديها ، بالتناوب بين اليسار و اليمين ، منتصبة ، يقظة ، ومنعزلة إلى حد ما ، إنها امرأة وسيمة ومثيرة للإعجاب .
تقول بحزم لمراسل مجلة ( فوغ ) الشهيرة و بلغتها الإنجليزية الواضحة بلكنة فرنسية ، "لن أتحدث عن بيكاسو . لقد قمت بواجبي تجاه تلك الذكريات. لقد حظيت بمهنة رائعة كفنانة ، أنا لست هنا لمجرد أنني أمضيت الوقت مع بيكاسو ". ثم قامت بإخراج مجلدين كبيرين لتوثيق أعمالها ، والتي يبلغ عددها الآن أكثر من 1600 لوحة و 4000 إلى 5000 عمل على الورق. بينما تتحدث ، واصل اسم بيكاسو إيجاد طريقه إلى المحادثة ، حتى لو رفضت فرانسواز بشكل مميز السماح له بالسيطرة عليها.
كانت حياتها المبكرة ، كما تصفها ، مميزة لكنها وحيدة، طفلة وحيدة لأبوين باريسيين من البرجوازيين الراقيين، وكان والدها مهندسًا زراعيًا طور عدة شركات كيميائية ؛ كانت والدتها فنانة خزف - قررت في سن الخامسة أنها ستكون أيضًا فنانة، كانت الفتاة المسترجلة النشطة والمغامرة التي ركبت الخيل كل صباح في غابة بولونيا و هي حديقة تقع غرب باريس بالقرب من ضاحية (بولونيا-بيلانكور) و كانت تتلقى دروسًا في المنزل حتى بلغت العاشرة من عمرها. بحلول الوقت الذي ذهبت فيه إلى المدرسة، "كنت أسبق الأطفال الآخرين في مثل سني، ولم أفكر بنفس الطريقة، لم أخضع للقواعد إذا لم أكن أرى أي معنى لها ". كانت ذكية و عنيدة ، دخلت كلية الحقوق لأن والدها أصر على ذلك، ولكن عندما جاءت الحرب وسقطت باريس في أيدي النازيين ، غادرت دراسة القانون - منذ ذلك الحين ، و هي ترسم بدوام كامل.
اللقاء الشهير مع بيكاسو - عندما أحضر وعاء من الكرز إلى الطاولة في كافيه ( لو گاتلان) الباريسي حيث كانت تتناول العشاء مع صديقة مدرسة وزميل فنان ( جينيفير اليكوت ) و ممثل سينمائي ( الين كوني ) - كان ذلك في عام 194 و كانت تبلغ من العمر 21 عامًا يومها ؛ كان بيكاسو يبلغ من العمر 61 عامًا. "أعتقد حقًا أنني لو قابلت بيكاسو في وقت السلم ،" قالت فرانسواز ، "لم يكن ليحدث شيء".
كان معظم الرجال في سنها في حالة حرب، لقد أعجبت بالشجاعة التي جعلت بيكاسو يرفض مغادرة فرنسا المحتلة. ،لقد تم القبض عليها هي نفسها في مظاهرة طلابية ، ومثل أي شخص آخر في باريس في ذلك الوقت ، شعرت بالخوف. على الرغم من أنها كانت تدرك جيدًا تاريخ بيكاسو مع النساء (كان يتناول العشاء في تلك الليلة مع عشيقته (دورا مار ) التي سيتم التخلي عنها قريبًا، والتي كانت تنظر الى مائدتهم بنظرات كأنها خناجر، لم تكن خائفة و لم تتملكها أية رهبة من العشيقة دورا، كما كتبت في كتابها عام 1964 الحياة مع بيكاسو ، "كارثة لم أرغب في تجنبها".
بعد عام 1964 ، كان على أي شخص يريد أن يكون صديقًا لبيكاسو ، أو أن يتم قبوله في الاستوديو الخاص به، أن يشجب و يستنكر ذكرى فرانسواز، كان (جون ريتشاردسون ) أحد أبرز المستنكرين، والذي استمر في كتابة سيرة ذاتية متعددة الأجزاء لبيكاسو "هذا الكتاب البائس " الكتاب الذي تلقى هجوم لاذع في صحيفة (نيويورك ريفيو أوف بوكس).
إذن ، كيف تعاملت فرانسواز مع حقيقة أن ريتشاردسون يرعى عرض بيكاسو / جيلوت في جاجوسيان؟ قالت : "حسنًا ، لقد غير رأيه شيئًا فشيئًا. في أول كتاب له عن بيكاسو ، قال "إن كل ما كتبته هو أكاذيب !" اما في الكتاب الثاني وهنا ضحكت فرانسواز حين قالت ، كتب "أن ما قلته هو الحقيقة ، لكنها ليست مهمة جدًا" وفي الكتاب الثالث كتب "أن ما قلته مهم للغاية" . لقد غير رأيه، وهو ما أعتقد أنه لطف منه ".
لكن بيكاسو كان قد رحل في ذلك الوقت، تقول فرانسواز : "إن تغيير رأيك بشأن شيء ما، أمر صعب دائمًا، أعتقد أن الأشخاص الكبار بما يكفي ليعترفوا بأنهم مخطئون يمكن حسابهم على عدد أصابعك."
عندما اتصلت بجون ريتشاردسون ، اقترح أنه ربما كان من الأفضل الانتظار حتى وفاة بيكاسو قبل نشر كتابها، لكن الكتاب نفسه "رائع ورائع ، وحاسم لفهم بيكاسو". أما بالنسبة للعرض القادم ، الذي تم تنظيمه بالاشتراك بين ريتشاردسون وفالنتينا كاستيلاني ، مدير معرض غاغوسيان ، يقول ، "أحد الأشياء التي نريد تحديدها هو كيف ارتدت عنه، و كيف ارتد عنها قليلاً. كانت ترسم بشكل جيد للغاية ، وكانت رسامة جادة ومحترفة للغاية. . . . لا أريد أن أقدم العرض عنها كأنها عشيقة فقط ".
لا يوجد بيكاسو في شقة فرانسواز، قبل بضع سنوات ، باعت الذكرى الوحيدة التي تملكها، أفضل سلسلة ( السيدة - الوردة )التي رسمها فيها على أنها زهرة شبه مجردة ، رشيقة ، شاحبة ، خضراء وزرقاء ولكنها غير زهرية تمامًا. قام برسمها في عام 1946 ، بعد وقت قصير من اصطحابها لمقابلة ماتيس ، الذي جعله يشعر بالغيرة بقوله إنه يرغب في رسم صورة لها بشعر أخضر وبشرة زرقاء فاتحة. لقد أحببت فرانسواز عمل ماتيس منذ أن كانت في الخامسة عشرة من عمرها، وشعرت أنها أقرب إلى ذلك بكثير من أعمال بيكاسو. شاهدته في نفس اليوم الذي رأت فيه بيكاسو جيرنيكا ، والذي كان معروضًا لأول مرة في معرض باريس الدولي عام 1937. قالت عن الاثنان : "لقد وقعت في حب ماتيس في ذلك اليوم ، وليس مع بيكاسو". (كتابها الثاني ، ماتيس وبيكاسو ، هو دراسة ثاقبة لعلاقة الفنانين المعقدة). "ماتيس كان إلهي. أنا فنانة فرنسية ، هذا أمر مؤكد. أنا موجة من الألوان وما يمكن أن تسميه هو بالملحن. أنا لا أسكب شجاعتي بل احتفظ بها في الداخل ". كان بطلها الآخر في الأيام الأولى هو ( جورج براك ) لذلك ليس من قبيل المصادفة أن لديه اعمال براك ثابتة على جدار مكتبتها
ومع ذلك ، كانت جاذبية أعمال بيكاسو أمرًا لا مفر منه لأي فنان في الأربعينيات والخمسينيات، اما في لوحات فرانسواز حيث يمتزج التجريد بالتشكيل، والألوان مشبعة عميقة ، والعنف العرضي لأشكالها المتضاربة . لكنها كانت بالفعل فنانة عندما التقيا ، "ترسم مثل براك" أكثر من بيكاسو ، وفقًا لريتشاردسون. بالإضافة إلى كونها نموذجًا و الهاماً لبيكاسو ، كانت فرانسواز متساوية معه في الفكر. كان يريدها أن تبقى مستيقظة معه حتى وقت متأخر من الليل ، غالبًا إلى الثانية أو الثالثة صباحًا ، تتحدث وتتجادل حول عمله. استقلاليتها ، ومباشرتها ، ورؤاها الثاقبة أذهلته، وغذت شهيته النهمة للحياة. قالت عندما سألت عن تأثير بيكاسو عليها: "الفن ليس مرضًا معديًا، إنه ليس مثل مرض السل ، لديك أو لا ، وإذا كان لديك، فعليك تطويره بنفسك".
لم تكن فرانسواز مهتمة بشكل خاص بإنجاب الأطفال، لكن بيكاسو أصر . وُلدت كلود عام 1947 وبالوما عام 1949. تقول: "يمكنك القول إنني بأمومتي بدوت أنثوية، ولكن في الداخل، ما زلت صبيًا، كرهت أن أكون حامل ". (لم يتمكن بيكاسو وجيلوت من الزواج لأن أولجا، زوجته الأولى، رفضت منحه الطلاق) على الرغم من تكريسها الشديد للأطفال - كان لديها ابنة أخرى في عام 1956 من زواجها الاول من الفنان لوك سيمون، الذي تزوجته بالفعل - لم تكن فرانسواز تؤمن بالأمومة المفرطة في الحماية. "لا أعتقد أن الام والطفل يجب أن يكونا حميمين جدًا بحيث تصبح سجنًا للطفل. لقد حاولت مساعدة أطفالي على أن يصبحوا أنفسهم".
تعمل بالوما مع تيفاني منذ 31 عامًا. لقد وجدت ما أرادت فعله ، وقد فعلته ". كلود ، الذي يحتفظ بشقة في نفس مبنى والدته في نيويورك ، يدير إدارة بيكاسو في باريس ، وأوريليا ، الطفل الثالث لفرانسواز ، مهندس معماري يعيش في بوسطن ويدير أرشيف جيلوت.
وتقول: "عندما غادرت بيكاسو ، علمت أنه سيكون لدي الكثير من الأعداء". لقد كانوا هناك بالفعل ، ويضعون قشور الموز تحت قدمي طوال الوقت. أحد أسباب مجيئي إلى الولايات المتحدة في عام 1961 هو أنني اعتقدت أن الناس سيكونون أكثر إنصافًا هنا ، وقد لاحظت أيضًا أن حوالي 80 في المائة من هواة جمع التحف الخاصة بي كانوا أمريكيين ". كانت تأتي في كثير من الأحيان ، وتسافر إلى مدن مختلفة حيث كانت تقيم عروض غاليري وتقيم في فندق ستانهوب عندما كانت في نيويورك - كان به استوديوهات فنانين في الطابق العلوي. في رحلة إلى لوس أنجلوس عام 1969 ، قدمها أحد الأصدقاء إلى جوناس سالك. لم تكن مهتمة بلقائه - كانت تعتقد أن العلماء مملين. ولكن بعد ذلك بفترة وجيزة ، جاء إلى نيويورك ودعاها لتناول الشاي في مطعم رومبليماير. "لم يكن لديه شاي. لقد طلب آيس كريم بالفستق واليوسفي ". "اعتقدت ، حسنًا ، العالم الذي يطلب الفستق الحلبي وآيس كريم اليوسفي في الساعة الخامسة بعد الظهر ليس مثل أي شخص آخر!" طاردها إلى باريس وبعد بضعة أشهر طلب منها الزواج منه. امتنعت. "قلت ،" أنا فقط لست بحاجة إلى أن أكون زوجة ". أعطاني قطعتين من الورق وقال لي أن أكتب أسباب عدم موافقتي على الزواج ". امتثلت. تضمنت أسبابي : "لا أستطيع العيش أكثر من ستة أشهر مع شخص واحد" ؛ "لدي أطفالي" ؛ "لدي مسيرتي المهنية كرسامة وعلي أن أذهب هنا وهناك" ؛ "لست دائمًا في مزاج للحديث. وما إلى ذلك ، وما إلى ذلك ، وما إلى ذلك
نظر سالك إلى القائمة وقال عن أسبابها بأنها "مناسبة تمامًا". تزوجا في عام 1970 وظلا سويًا حتى وفاته في عام 1995. "لقد نجحنا بشكل جيد للغاية" ، كما تقول ، "لأننا بعد كل شيء كنا على ما يرام."
لكل امرأة في حياة بيكاسو ، كان لديه تجاهها نوع من الفكرة المهيمنة،بالنسبة لي تقول فرانسواز : "كان اللون الأزرق والأخضر - على الرغم من وجود اللون الأخضر هنا فقط ، يمكنك سماعه إذا أردت. بالنسبة لماري تيريز والتر، كان الخزامى اللون الليلكي والليمون الأصفر والأخضر الشاحب. كان الأسود عادة مرتبطًا بدورا مار ، لكنه كان يتلاعب بالشكل أكثر من اللون بالنسبة لها. كانت لدورا مار كلتا العينين في نفس الجانب - معي ، هما على كل جانب من أنفي ، الحمد لله ". تقولها وتضحك : "ذلك لأن وجهي منتظم للغاية ، وعادة ما أكون متحكمة في مشاعري " .
رسم بيكاسو مئات اللوحات الفنية لفرانسواز وآلاف الرسومات والمطبوعات. يمكن أن تكون زهرة ، وعاء من الكرز ، فارسًا يرتدي درعًا ، "وعندما يكون هناك سرطان البحر ، هذا أنا أيضًا ، لأنه كان يقول دائمًا إن لديّ العظام في الخارج لحماية نفسي ! " و هناك اللوحة الوحيدة التي تُظهر فرانسواز كفنانة، بدون أطفال، تعمل بمفردها في الاستوديو الخاص بها. بعد ذلك بعامين ، ذهبت - الوحيدة من بين نساء بيكاسو التي تركته، والوحيدة التي واصلت التمتع بحياة غنية ومجزية. تقول: "كنت أعرف أنني إذا لم أترك بابلو ، فسوف يلتهمني".