"مساء الخير سيداتي سادتي.. مساء الخير برلين.. نحن سعداء بوجودنا بينكم اليوم في هذا المكان.. هل أنتم جاهزون؟" بهذه الكلمات وباللغة الألمانية، رحّب غراهام راسل Graham Russell، إيقونة الفرقة الأسترالية الأسطورية Air Supply بنا كجمهور، لينطلق مع زميله ورفيق دربه راسل هتشكوك Russell Hitchcock، وليصحبانا معهما في رحلة موسيقية ساحرة دامت حوالي ساعتين على مسرح صالة حفلات فندق أستريل ببرلين في مثل هذه الأيام قبل سنتين، أي قبيل أعياد رأس سنة 2018، أدّيا وقدّما خلالها باقة من أروع أغانيهم، التي ما تزال حاضرة في ذاكرة وأسماع محبيهم مِن الأجيال التي حضرت الحفل، تملأها مشاعر الحنين لموسيقى عَقد الثمانينات من القرن الماضي، الذي شهد ولادة وظهور باقة من ألمَع الفرق الموسيقية، ومنها فرقة Air Supply.
تعتبر الفرقة ثمانينيه رغم أنها تشكلت عام 1976 في سيدني بإتفاق بين الثنائي راسل وهتشكوك، الى جانب بعض الموسيقيين الذين لم يستمروا طويلاً، وحل محلهم 4 آخرين رافقوا الثنائي لسنوات طويلة، هُم فرانك أسلر عازف الكيبورد، وديفيد موريس عازف الغيتار، وديفيد غرين ورالف كوبر عازفا الدرامز، فخلال السنوات الأربع التالية شهدت مسيرة الفرقة فترة مد وجزر، تخللتها مشاركتها للمغني البريطاني الشهير رود ستيوارت في إحدى حفلاته وجولاته الفنية، حتى جائت انطلاقتها الفعلية عام 1980، الذي كان مِفصلياً في تأريخها، وشهد صدور ألبومها الشهير ،Lost in Love الذي حقق نجاحاً كبيراً في أميركا وأوروبا، وبيعت منه أكثر من مليوني نسخة، وإحتوى على عدد من الأغنيات الناجحة تصدرت3 منها لوائح أفضل الأغاني في أميركا هي Every Woman in the World، Lost in Love وAll out of Love. ثم توالت باقي أغانيهم باحتلال المراتب الأولى في قوائم أفضل الأغاني في أميركا وبريطانيا وأستراليا مثل Even The Nights Are Better التي صدرت عام 1982. عام 1983 أصدرت الفرقة أغنية Making Love Out of Nothing At All التي تصدرت لوائح أفضل الأغاني بأميركا وبريطانيا لعدة أسابيع، تلاها إنتاج أول فديو لحفلة أحيَتها في هاواي. عام 1987 أصدر الثنائي ألبوماً ضَمّ أغاني أعياد الميلاد. وفي أواخر الثمانينات بدأت الفرقة تتراجع وكاد نجمها يَخفُت، إلا انها أبَت الاستسلام فاستَجمَعت قواها وعادت عام 1993 مُجَدداً بأغنيتين هما Goodbye وThe Vanishing Race حققتا نجاحاً كبيراً. ورغم أن الفرقة لم تطلِق أية أغنية منذ العام 1995 إلا أن أغانيها بقيت تذاع في مختلف المحطات العالمية وتلاقي إعجاباً منقطع النظير.
بدأ الثنائي حفله بأغانيه الشهيرة الخالدة Lost In Love وGoodbye و Even The Nights Are Better و All Out Of Love و Making Love Out of Nothing At All التي أثارت الجمهور وجعلته يقف عَن مقاعده ليشارك هتشكوك أداءه الجميل لها، والذي ذهب بعدها ليأخذ إستراحة لتناول الشاي حسب قول راسل، الذي إستغل الوقت ليقدم لنا أغنية جديدة هادئة بعنوان Son Of A Father كتبها بنفسه لصديقه الذي فقد آباه، وهي بمثابة حوار بين رجل وأبيه الذي توفي رحل عنه يوم ولادته. عند عودة هتشكوك الى المسرح إشتعلت الأجواء مجدداً بأغاني لا تُنسى مثل Every Woman In The World وThe One That You Love وLonely Is The Night و Two Less Lonely People In The World.
ليس مِن السهل أن يَقِف المرء أمام ظاهرة فنية تمتلك كل مُقومات الأسطورة مثل Air Supply، خصوصاً وأننا نتحدث عن فرقة انطلقت قبل أكثر من أربعة عقود، وما زالت مُحتفِظة بسِحرها وتأثيرها وحضورها، المادي لا المعنوي فقط بين محبيها،عبر محافظتها على إستمرارية وجودها في الساحة الفنية الغنائية، في وقت تلاشت أغلب الفـرق المعاصرة لها مادياً على الأقل، رغم بقـاء تأثيرها المعنوي، بعد إنفراط عقدها لخلاف بين أعضائها أو موتهم، كما حصل معABBA ، BeeGees، Wham أو Modern Talking. فهذا الفرقة منذ بداياتها وحتى إحيائها لحفلها الأخير في برلين، كان لها ما يُمَيّزها عن غيرها من الفرق التي عاصرتها، فقد تميزت بأغانيها ليس فقط كلماتاً ولحناً بل ونوعاً، فهي مُقِلّة وفقيرة بإنتاجها مقارنة بغيرها من الفرق، إلا أنها حَرصت على أن تُخرِج أغانيها بمواصفات غاية في الرُقي والجَودة والعُمق والجمال، لتقدم فناً ولوناً غنائياً يرتقي بأذواق ومشاعر مُحبّيه، ولتَضمن خلودها لعقود وأجيال قادمة، وهو أمر عاشه ولا زال يلمسه كل من فتح عينيه على أغانيها وتابَعها وظل يستمع اليها طيلة السنوات الماضية. بالإضافة الى ذلك إمتازت الفرقة بأسلوب أداء وموهبة عضويها الأساسيين، راسل الأسترالي بموهبته في العزف، وهتشكوك الإنكليزي بموهبته في الغناء، واللذان يُشعرانك بكيمياء عجيبة تربط بينهما، لم تتلاشى طوال 44 عاماً، كان لها وقعها وسحرها على أغانيهما. كما تميزت بجمهورها الذي ظل وفياً لها ولأغانيها فس جميع أنحاء العالم وحريصاً على حضور حفلاتها ودعمها، كجمهور برلين الذي امتلأت به قاعة الحفل، وتفاعَل معها رقصاً وغنائاً بروحية الشباب الذي تعَرّف عليها منذ أربعة عقود، رغم أعماره التي تراوحت اليوم بين الأربعين والستين. أما أجمل ما ميّز الفرقة فهو تجربتها المهنية والإنسانية التي تستحق أن تكون مثالاً يحتذى به، فعلى مدى 44 عاماً حافظ المُطربان والصَديقان على علاقة استثنائية في العمل والصداقة، لم يَفُتهُما أن يَتَحَدّثا عنها ويُشيدا بها خلال الحفل.
رغم آثار العُمر التي كانت بادية عليهما مِن خلال شَعَر هتشكوك الأبيض، وتجاعيد وجه راسل الواضحة، إلا أنهما لم يَفقدا روح الشباب التي كانت تشُع مِن عينيهما، وجعلتهما يُحافِظان على شغفهم بالموسيقى والغناء، وعلى حيويتهم التي تجَسّدت بحركتهما المتواصلة على المسرح والتواصل مع الحضور، الى درجة نزولهم للغناء بين الجمهور ومصافحته والتقاط بعض الصور السريعة معه. وكان أدائهم كما عرفناه دائماً ثنائياً يُكَمِّل أحدهما الآخر، راسل مُمسِكاً بغيتاره الذي يستبدله بين حين وآخر مُتنقلاً به على المسرح ليُشيع جواً مِن الحركة والحيوية، وهتشكوك مُمسِكاَ بمِكرفونه ليَصدح عبره بصَوته الأسطوري الذي مايزال محافظاَ على قوته ورقته في آن. وكذلك مِن خلال عازفي الفرقة الموسيقية التي رافقتهم، والتي ضمّت 4 عازفين شبّان أمريكان تألقوا في عزفهم مع الأسطورتين، 2 منهم بالغيتار، وثالث بالدرامز، ورابع بالأورغ.

[email protected]