يؤدَّي الحلم الليليّ مجموعةً من الوظائف؛ إحداها فسيولوجيَّة تهدف إلى حماية عمليَّة النوم وتمنع قطعها لأطول فترة ممكنة. وذلك من خلالِ حلمٍ يحمل بين طيَّاته إشباعاً وهميَّاً، يعمل على تأجيل الاستجابة للمنبِّه الخارجيّ. ويعود الفضل في اكتشاف هذه الوظيفة إلى فرويد، ولقد سمَّاها في عديد من المناسبات قرار "الجلسة مستمرَّة"، مُشتقَّاً هذه التسمية من حادثةٍ واقعيَّةٍ حصلت في إحدى قاعات المحكمة، حيث رأى تشابهاً بينها وبين ما يحصل في كواليس بعض الأحلام. تقول الواقعة: في إحدى قاعات المحكمة، وأثناء إحدى الجلسات، قام أحدهم بإلقاء قنبلة يدويَّة بين الحاضرين، بهدف خلط الأوراق. وقد أدَّى ذلك الأمر إلى حصول جلبةٍ وتعالٍ في الأصوات المُطالِبة بمغادرة القاعة. الأمر الذي أدَّى بالقاضي إلى الوقوف ومحاولة احتواء الموقف ومنع البلبلة، بقوله الحازم: "لا يبرحنَّ أحدٌ مكانَه، فالجلسة مستمرَّة". وهذا هو بالضبط ما يقوم به القاضي الذهنيّ، إن صح التعبير، عندما تتعرَّض عمليَّة النوم لخطر الاستيقاظ.

فإذا كان المنبِّه يُمثِّل حاجة النائم إلى شرب الماء أو الحاجة إلى التبوُّل، وكانت حاجة الجسم إلى الراحة لم تبلغ مقتضاها، تقوم الذات اللاواعية، أو الجزء الذهنيّ المسؤول عن إخراج الأحلام، حينئذ بالتعامل مع الموقف بروح القانون إذا جاز القول، وذلك باختلاقِ حلمٍ مؤقَّت يظهر فيه النائم وهو يشرب الماء، أو يقوم فيه بقضاء حاجته. وكلَّما تكرر المنبه وازداد الضغط على النائم، كلما سارعت الذات اللاواعية إلى التذاكي، وإلى إنتاجِ حلمٍ آخر مشابهٍ للسابق، يكون أكثر إشباعاً للحاجة، عن طريق الإرضاء بالوهم. يستمرُّ هذا الأمر على المنوال ذاته إلى أن يأتيَ الوقت المناسب تماماً لإيقاظ الوعي، فتتبدَّل الأولويَّة من حماية النوم إلى الأهمّ؛ حماية النائم، فتقوم الذات اللاواعية بإجبار الوعي على الاستيقاظ، للقيام بإشباع الحاجة فعليَّاً. وبذلك تكون الذات اللاواعية قد وضعت المنبِّه تحت جناحها للحظاتٍ، وامتصَّت تأثيره على مراحل، في الوقت الذي سمحت فيه للعضويَّة بأخذ كامل وقتها في الاسترخاء والراحة والإشباع.

باحث سوري في علم النفس التحليلي.