الشَّبَق قوّة تمّ تصوره خارج أيّ مفهوم أخلاقي، كعنصر دينامية الحياة الجوهري. بالنسبة إلى عرقٍ قوي، لم يعد الشَّبَق خطيئةً أكثر مما هو الكبرياء. فالشَّبَق، حاله حال الكبرياء، فضيلةٌ محرّضة، بؤرة حيث تتغذى الطاقات.
الشَّبَق، تعبير الكائن هذا الذي أُلقي خارج نفسه، بَهْجة الجسد المتحقق المؤلمة، كآبة التفتّح الموجعة؛ إنّه الاتحاد الجسدي، مهما كانت الأسرار التي توحد الكائنات، فهو توليفة الكائن الحسّية والجسدية، التي تفضي إلى تحرير روحه؛ إنّه مشاركة جُزء صغير من البشرية بكلّ شهوانية الأرض، رِعْشةُ الجُزء الصغير من الأرض.
الشَّبَق ضالة المجهول الجسدية، مثلما العقليّة ضالة روحية، الشَّبَق بادرة خَلْقٍ، إنّه الخَلقُ.
الجسد يخلق مثلما تخلق الرّوح... وخلْقُهما، تجاه الكون، متعادل. لا أحد أعلى من الآخر، والخلق الرّوحي يعتمد على الخلق الجسدي.
لنا جسد وروح. إنّ تقليصَ واحدٍ من أجل مضاعفة الآخر، لهو ضعف وخطأ. على كائن قوي أنْ يحقق كلّ مقوّماته الروحية والجسدية. فبالنسبة إلى الغزاة الشَّبَق تقدير يستحقونه. إذ بعد معركة قُتِل فيها أناسٌ، من الطبيعي بالنسبة إلى منتصرين، اختارتهم الحرب، أنْ يمضوا، في بلد مقهور، إلى حد ارتكاب عمليات اغتصاب، من أجل إعادة خلق الحياة.
بعد المعركة، يحبّ الجنود الملذّات الحسّية حيث تسترخي طاقاتهم، لكي تُبعَث من جديد، من أجل الهجوم. للبطل الحديث، بطل أيّ ميدان كان، الرغبة نفسها والملذّات نفسها. للفنان، هذا الوسيط الكوني العظيم، الحاجةُ عينُها (...) الفن والحرب أكبر مظهرين من مظاهر الشهوانية؛ الشَّبَق زهرتهما. أناسٌ يهتمون فقط بالرّوحانية، أو أناس شهوانيون فقط، كلاهما مدان بانحطاطٍ هو العقم.
إنّ الأخلاق المسيحية، بعد أنْ حلّت محل الأخلاق الوثنية، كان من شأنها أنْ تعتبر الشَّبَق ضعفاً. فجعلت، من هذه البَهجة السليمة، تفتّحِ الجسد القدير، شيئاً مخجلا يجب إخفاؤه، رذيلةً يجب أن تُنكر. غطّتها بالنفاق، وهكذا جعلتها خطيئة.
علينا أنْ نكفّ عن السّخرية من الرّغبة، إغراء الجسدين في آن رقيق وبهيمي، جسدين، مهما كان جنسيهما، يرغب واحدهما في الآخر، متحاضنان حتى التوحد. علينا أنْ نكفّ عن السّخرية من الجسد، وعن إخفائه تحت الثياب الرّثّة والمثيرة للرثاء؛ ثياب العواطفية العتيقة والعقيمة. ليس الشَّبَق من يفتت، يحلّ ويفني، وإنّما المضاعفات المنوّمة للعواطفية؛ الغَيْرة المصطنعة، الكلمات التي تَبعث النّشوة وتخدع، أشجان الانفصالات والوفاء الأبدي، الحنين الأدبي، كلّ تباهي الحبّ هذا.
علينا تمزيق أسمال الرومانسية المشؤومة، أقحوان منزوع الأوراق، والثنائي تحت القمر، والاحتشام المنافق الزائف. على الأجساد التي قرّب بينها الإغراء الجسدي، بدل أنْ يثرثروا عن هشاشة قلوبهم – فليجرأوا على التعبير عن رغباتهم، وأفضليات أجسادهم، وأنْ يحسّوا بطاقات البهجة أو الخيبة في اتحاد جسدي مقبل.
ليس للاحتشام الجسدي، المتغيّر حسب الزمن والبلد، سوى قيمة زائلة لفضيلة اجتماعية.
علينا أنْ نعترف بالشَّبَق، علينا أنْ نجعل من الشَّبَق ما يجعل كلّ شخصٍ، ذكي ذي ذوق رفيع، من نفسه، ومن حياته. علينا أنْ نجعل من الشَّبَق تُحفة فنية، فإنّ التظاهر باللاوعي والانذهال لتفسير بادرة حب لهو نفاق، ضعف، وحماقة. علينا أنْ نرغب، على نحو واع، جسداً كأيّ شيء آخر!
علينا أنْ ننزع عن الشَّبَق كلّ الحُجب العواطفية التي تشوّهه. فبسبب الجبن ألقينا عليه كلّ هذه الحجب لأن العواطفية السّاكنة مُرضيةٌ. إنّها ترضينا وهكذا تضعفنا.
لدى شخصٍ سليم وفتيّ، كلما يصطدم الشَّبق مع العواطفية، يخرج منتصراً. ذلك أنّ العواطفية تتبع الموضات، بينما الشَّبَق أبدي. الشَّبَق ينتصر لأنّه الحماسة، شعورُ بَهجةٍ واعتزازٍ يأخذ الإنسان إلى ما وراء نفسه، بَهجة التملّك والسّيطرة، الانتصار الدائم الذي تولد منه المعركة الدائمة، ثمالة الغزو والأكيدة والأكثر إسكاراً. وبما أنّ هذا الغزو الأكيد مؤقّت، فإنّه يبداً مُجَدّداً.
باريس، كانون الثاني 1913
ترجمة خاصة بإيلاف