كم كنتُ اخشى ان اكونَ ذرةَ ترابٍ تاهت في هواء دولي واجواء تاخذني بعيداً، انها أخذتني حقاً، سبقتني وأخذتني لكنها لم تستطعْ قلعٓ جذوري، جذوري ممتدة بالعمق في درابين مدينتي التي ما زلت متمسكةً بشبابيك بيوتها الجميلة القديمة والتي تحكي قصصاً بصمتٍ حفاظاً على اسرارِ العذارى . انني اعترف بأنني ذرة تراب من ارض مولدي تحاول ان تتاقلمُ مع ذرات الثلوج المكدسة في مدينتي الجديدة، لن استطيع ان أنكر بأنني عشقت مدينتي الجديدة، عثرتُ عليها بعد رحلةٍ طويلةٍ حلِمتُ بها منذ ان كان عمري عشر سنوات وبعد ان بدأت افهم خارطة العالم وما فيها من تضاريس وتعاريف وشعوب لها شوارع لامعة وأشجار بارعة في تغير الجحيم الى الجنة، حملتني ذرة التراب من طرقات مدينة طفولتي وشبابي وطارَ معها حلمي ألذي اصبحَ واقعاً لكنها بقيت ذرةُ ترابٍ حمراء سمراء رمادية اللون بين أجزائها مجاميع من الذكريات التي تأبى ان تغادر ولن أريدها ان تغادر، انها صور حياتي الاولى ، وأهات أيامي، ودموعُ حبٍ فشلَ ، إنها ذرةُ ترابٍ من سماء مدينة طفولتي ولن تستطيعَ سحقَ مدينةَ حلمي، ذكرياتٌ كثيرةٌ وعميقةٌ متجذِرَةٌ في الدهاليزِ التي حاولنا إهمالها لكنها حيةً الى الابدِ.
لم اكنْ أتخيلُ بأنَ طريقَ حياتي سيأخُذني الى هذا البلد كما يسمى خلف البحار . هناك ذكرياتٌ كثيرة تربطني بروعةِ التحليقِ
والانتقالِ من بلدٍ إلى أخر ليس لسبب معين فقط بل شغف طفولي، اتذكرُ وأنا في العاشِرَةِ كنتُ اجبر اخي الاكبر بالذهاب معي لمراكز ثقافية منتشره في مدينتي لأتزودَ بمعلوماتٍ شتى استعداداً لتحقيق احلامي ، درستُ بقوه لأن التسلح بالعلم والمعارف اساس المغامرات حسب رأي وتعلمتُ لغتين مفيدتين كي اشعر بارتياح ومع الحلم الذي سأُحقِقُه، حزمتُ حقيبتي وجميعِ أوراقي وسميتُ باسم الله وجلستُ في مقعدي المخصص في الطائرة اخذتني نومةٌ طويلة وفاتتني كلَّ مواعيدَ الاكلِ وإذا بالمضيفةِ الجميلةِ تُوقِضُني من نومي وتقول لي بكل هدوء وصلنا، شعور غريب ممزوج بالفرحة والاستغراب والدهشة، هذه المدينة التي كنتُ أعملُ بكُلِ فوضوية الطفولة وبرائتها واحلامها الملونة منتظرةً على رصيفِ محطة القطار لينقُلَني إلى مركز المدينه والغريبُ في الامرِ لمْ أشعُر بالخوفي لأنني وحيدةً ، بقيتُ أتطلع لوجوه الواقفين في الحافِلة، وجوهٌ غريبه لم ألمح أيُ شبهٍ يمكن أن اقولَ ربما أشَبِهُ عليه، ترجلتُ مِنَ القطارِ لأستقِل الباصَ العمومي لينقلني إلى الفندق المخصصِ لنا الطلبه، امتدحتُ نفسي بصمت عند وصولي الفندق دون الاعتماد على أحد لانني هيأتُ نفسي لهذا الوقت طوال عمري. وضعت حقائبي في غرفتي وفتحت النافذة الجو رائع أو لأنني مقدمةٌ على اكبر خطوةٍ في حياتي مما يجعلني اشعر بدغدغة مشاعر لذيذة، احسستُ بالنعاس وقررت ان انام حتى موعد العشاء لكن جسدي المتعب نسيَّ ان يوقظني حتى الصباح، نهضت مسرعة لالحق بموعد الافطار، نزلت الى قاعة الطعام فبقيتُ باهتةً ما هذا؟ بقيت اتلفتُ يمنةً ويسره في هذه القاعة الكبيره ليس هناك اشخاص ولا طاولات ولا كراسي ولا رائحة قهوة الصباح ولا رائحة الخبز المحمص، لا شئ، لا شيئ مطلقاً وقفت باهتةً لا استطيع نطق كلمة واحده فذا بيدً تهزني برقه وتقول لي انهضي ابنتي الفطار جاهز انهضي لئلا يفوتكِ باص الجامعة ، جلستُ في سريري فاغرة الفم فقالت لي امي حلمٌ جميلٌ اخر لكن اين ذهبتي هذه المرة؟ ابتسمت بكل حب وقلت لمستقبلي وقالت انهضي ارجوكي حبيبتي.

مونتريال / كندا