لعلَّ أبرز الذكريات التي تستهدفها ظاهرة السهو الاختياريّ هي تلك الواقعة في مرحلة الطفولة، حيث يعمد الذهن إلى طمس بعض هذه الذكريات لاشعوريَّاً، لأنَّه لامصلحة فعليَّة لمعرفتها من قبل الأنا الواعية.
هذا التعتيم يطالُ أحداثاً محرجةً للفرد تدور حول إثمٍ اقترفهُ، أو مشهدٍ مُخلٍّ بالآداب قد رآه.
والسهو هنا اختياريٌّ لأنَّه ليس نتيجةً لخللٍ عضويٍّ أو كيميائيّ أدَّى إلى إتلاف هذه الذكريات، بل هو من اختيار الذهن وآليَّة الكبت، لكنَّ ذلك لا يعني أيضاً بأنَّه إراديٌّ.
وقد تتمُّ إعاقة هذه الذكريات عن طريقِ كبتٍ كُليّ للفترة الزمنية التي وقع فيها الأمر المراد نسيانه، فتبدو على شكل فراغٍ في الذهن، أو مساحةٍ ذهنيَّةٍ خاويةٍ.
لكنّ هذا الإقصاء للذكريات قد لا يكونُ كليَّاً دائماً، بمعنى أنَّه قد يُغيِّب الحدثَ دون أن يُغيّب ظلالَهُ! فينسى الفردُ الحادثة التي عاشها أو رآها، لكنَّه يظلّ يتحمَّل تبعاتها طوال فترة حياته، ودون أن يعلم ذلك. فتعيش تلك الواقعة في قعر ذاته كنباتٍ مسمومٍ يُعكِّرُ صفوَ حياتهِ النفسيَّة برمَّتها.
ومثال هذا الأمر تلك المشاهَدات المُبكِّرة للأطفال، والخاصَّة بالأفعال الجنسيَّة والتي يمكن لها أن تطفوَ على سطح الشخصيَّة مستقبلاً آخذةً أشكالاً جديدة. ويبدأ الأمر عندما يُكوِّن بعض الأطفال، أثناء رؤيتهم لمشاهدَ حميميَّةٍ، انطباعاً سلبيَّاً مغلوطاً حول ما رأوه، وخصوصاً حين يكون الأبوان هما موضوع تلك المشاهدة. فتستقرّ مثل هذه الأفكار الخاطئة في عقولهم، لتغدو مع مرور الوقت مفاهيمَ يقتدون بها، ومُحرِّكاً أساسيَّاً لسلوكهم.
صحيحٌ أنَّ الكثير من الأطفال يشاهدون مثل هذه الأفعال ولا يفهمون ما الذي يحصل ولا يعيرونها اهتمامهم، لكنَّ الخطورة تقع عندما يحاول الطفل الاجتهاد وقراءة المشهد بصورةٍ خاطئةٍ، أيّ عندما يعتبر الجنس فعلاً عدائياً أو ساديَّاً! مما سيؤدّي لاحقاً إلى تشكيل أرضيَّة مشوَّهة للعمليَّة التناسليَّة. وما أفكار على غرار فكرة "احتقار الجسد" إلَّا نتيجة لهذه المكبوتات.
إلى ذلك يمكن الكشف عن هذه الذواكر المكبوتة من خلال طرائق العلاج النفسيّ، حيث يتمُّ من خلالها تعويم العنصر المكبوت الضاغط على السلوك، مما سيؤدّي، مع مرور الوقت، إلى تحرير الشخص من ماضيه النفسيّ المُقلق.

باحث سوري في علم النفس التحليلي.