تقع أحداث الروايّة الصادرة عن دار الورشة الثقافيّة للطباعة والنشر والتوزيع في بغداد العراق لسنة ألفين وعشرين بين سنة ألفين وستة وألفين وسبعة بعد الغزو الأمريكي للعراق بثلاث سنوات ذلك الاحتلال الذي عمل عن اسقاط القانون المدني العراقي الذي يحفظ حقوق وأرواح العراقيين باعتبارهم مواطنين بفئات مختلفة ومتنوعة من الناس بانتماءات عرقيّة ودينيّة وطبقات متفاوتة اجتماعيّاً واقتصاديّاً بغض النظر عن الخروقات والتمايز والمحسوبيّة واللصوصيّة التي كانت سائدة أيام الحكم السابق لكن القانون كان بمثابة حصانة تشبه الخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه تحت كل الظروف والذرائع متغلغل في نفوس جميع فئات المجمتع العراقي الذي يتردد فيه كثيراً من تقوده نزعته الشرانيّة لارتكاب جريمة من الممكن أن يجد لها تبريراً فلسفياً أو نفسياً مثلما حاول الكاتب الروسي فلاديمير ديستوفيكي في روايته الشهيرة " الجريمة والعقاب "
كان العراق مكان الرواية التي تشبه السيناريو وبالذات عاصمته بغداد ساحةً لتصفية حسابات منها : عرقيّة بدأت منذ أكثر من أربعين عاماً لكنها بقيت بين سلطة الدولة وجيشها وأجهزتها الأمنيّة والمخابراتيّة وسلطة المتمردين عليها يعني كان الصراع هرمي بين سلطتين مختلفتين تتناطحان بينهما دون الاِنتقال إلى الصراع السفلي الذي يتحول إلى انتقالم جماعي تحت مسمى الثأئر وصراع طائفي أيضا بين سلطات الدولة وفئة كبيرة من شعبها الذي يرى أحقيّته في حكم الدولة إلى جانب المختلف معه عقائدياً وصراع من نوع ثالث دوافعه اجتماعيّة واقتصاديّة وهو ما تناولته الكاتبة في روايتها التي تميط اللثام عن تلك السنوات التي شهدت غياب سلطات الدولة المتمثلة بالقانون المدني وظهور سلطتي العشيّرة والمؤسسة الدينيّة اللتان قسمتا المجمتع العراقي إلى طوائف متناحرة تقتل بعضها بدافع الاِنتقام وفكرة التصفيّة التي ينزلق لها عقل الاِنسان حينما تتحطم تحصيناته العقليّة المتدراكمة التي تتكون عبر السنوات في بيئة يعمها السلام والتسامح وقبول الآخر وليس العنف والقتل والخراب والدمار التي تحدثه ماكنة الحرب وقد كان الدكتور أسامة بطل الرواية وشريحة كبيرة من أصحاب العقول العراقيّة
خاصة الأطباء هدفاً واضحاً لنشر ثقافة العنف واللاأمان والخوف وعدم الاِطمئنان التي تشتغل عليها كل الأنظمة الرأسماليّة الغربيّة في بلدانها لخلق حالة من التوتر الدائم لمواطنيها من أجل التحكم بحياتهم ومصائرهم عبر استعباد العمل وقبول أشكال الحكم وفي حالة العراق للتذكير بوجود المحتل الذي كان لا يتردد في قتل كل من يقف بوجهه لثنيه عن مشروع احتلال العراق واِعادة هيكلة وعي مواطنيه عبر ما أسمته وزيرة خارجية اِدارة الرئيس الأمريكي
السابق جورج بوش الاِبن بالفوضى الخلاقة ولا أنوي الحديث هنا عن فنيّة الروايّة الواعدة لكن عن المعنى
في السؤال التي تطرحه الكاتبة عبر مقولة الكاتب الفرنسي البير كامو الذي يقول :
لسنا ننشد عالماً لا يقتل فيه أحد
بل عالماً لا يمكن تبرير فيه القتل!!!!
وجواب السؤال لم يستطع الدكتور اسامة المختطف في الروايّة أن يجد له جواباً وهو الذي كان يعتقد بأن تاج الوظيفة الانسانيّة لمعالجة الناس كفيل بأن يجعله وعائلته المكوّنة من زوجته ميادة واِبنه أشرف بمنأى عن نزعة الشر التي حاولت قتله بتعذيبه وأفزعت الكثير من زملائه لكي يغادرون وطنهم باتجاه العواصم الغربيّة التي تلقّفتهم لسد العجز الحاصل في كوادرها الطبيّة والعلميّة.
اعتمدت الروايّة على بناء المشاهد الدراميّة عبر الحوارات القصيرة التي سعت الكاتبة جاهدة في تحليل شخصياتها المكوّنة من د و أسامة وأشرف وميادة وعادل وصلاح وتوفيق وجميعها جزء من حقبة سنويّة سوف يتناولها السرد الروائي العراقي مستقبلاً بالتحليل النفسي الوافي والعميق.
سبق أن صدر للكاتبة مجموعة قصصيّة بعنوان : " نساء الضباب " لسنة ألف وتسعة عشر عن نفس دار النشر .

عقيل منقوش . أستراليا المصادف 29 |5 | 2021
ملاحظة : لا يسمح بنشر أو اِعادة نشر المقال في أي موقع أو جريدة دون الرجوع للكاتب ومنْ لم يلتزم
سوى يتعرض للمساءلة القانونيّة.