بيروت: تُطل الكاتبة اللبنانية جمانة حداد في روايتها الجديدة المرتقبة بعنوان "القتيلة رقم ٢٣٢" من نافذة انفجار مرفأ بيروت على معاناة اللبنانيين الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية عبر قصتين تعالجان قضايا شائكة.

فهذه الرواية الصادرة عن دار هاشيت أنطوان/نوفل تتناول في حبكة السرديات تركيزاً على واقع المرأة ومعاناتها في كنف الذكورية المتسلطة على حقوقها، وتعرّج على الجندرية من زاوية التحول الجنسي في واقعة رجل يُعلِن نفسه امرأة باسم "هند"، لتعالج من خلال قضيته موضوعاً شائكا حول علاقة المثليين بالدين وهروبهم من واقع مجتمع يرفضهم بحثاً عن الأمان.

«القتيلة رقم ٢٣٢» هي الرواية اللبنانية الأولى عن انفجار الرابع من أغسطس ٢٠٢٠، لكن أحداثها لا تنحصر به. فهي إذ تتمحور حوله بخط عريض، تسبقه بأحداثها ساعة من الزمن لتضيء على المعاناة الإنسانية بعدسة أوسع من لحظات انفجار تتناثر شظاياه في اتجاهات عدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على وقع أزمات وموروثات وتابوهات تميّزت حداد في مواجهتها.

ويبدو ملفتاً غلاف الرواية بهذه اليد الخشبية ذات الأظفار الملونة، وكأنه يحاكي رؤية الكاتبة الاجتماعية ودعمها للجنس الثالث وسط تقلبات المفاهيم والجدليات القائمة حول حقوق المثليين والتمييز الجندري المستمر بين كرّ وفر في لبنان والمجتمعات العربية.

قضايا إنسانية

فمضمون الرواية يتخطى لحظة الإنفجار وتبعاته إلى قضايا إنسانية تتصل به وتنفصل عنه في دقة اختيار الكاتبة للزمان والمكان الذي تسري فيه أحداث القصتين اللتين تعالجهما في تركيزٍ على قضية ميشا الزوجة الضحية لزوجها وللنظام، التي تعاني تسلّط الذكورية من جهة، وعلى الصداقة التي تنشأ بين ميشا و"هند" المتحولة من رجل كان يدعى عبّاس قبل أن يُعلِن نفسه امرأة.

ولا تغفل الكاتبة عن فورة الحراك الشعبي الذي عاشه لبنان خلال أحداث ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩، بل تقاربها من زاوية اجتماعية حيث تبدأ صداقة ميشا بـ"هند" في خضم التظاهرات التي جمعت اللبنانيين على اختلاف انتمائاتهم تحت عناوين مختلفة، فيما وحدتهم قضاياهم المشتركة ليتبادلوا الهموم بلغة تعبّر عن واقعٍ معاش لا يميّز بين رجل وامرأة أو متحول جنسيا.

وهكذا أرادت "حداد" أن تبدأ الصداقة بين ميشا المرأة المعنّفة و"هند" الباحثة عن مجتمع يتقبلها، في لحظات تجمعهما لتبادل الهموم على وقع الصيحات المطلبية الوطنية، حيث تتفوق إنسانية الموقف والإحساس بالآخر على التمييز الجندري.


نبذة موزعة عن الرواية المرتقبة

علاقة شائكة

أما العلاقة الشائكة بين المثليين والدين فتبرز في النبذة الموزّعه عبر البيان الصحفي التعريفي بالرواية، حيث تعبّر "هند"(أي عبّاس) عن انتمائها الديني للقرآن الكريم دون فهمه من خلال المانترا التي ترددها «كنْ فيكون».

وتقول هند: "هذه العبارة الوحيدة التي حفظتُها من القرآن. حفظتُها لأنها أعجبتني. منحتني شعوراً بالقوة، بالقدرة على تغيير مصيري. لم أدرس القرآن يوماً، لكنّ أحد أساتذتنا في مدرسة النبعة الرسمية كان يكتبها دائماً في أعلى اللوح. تجرّأتُ مرّة وسألته عن مصدرها فقال إنها ترد ثماني مرّات في القرآن..."

ويعبِّر المقطع عن واقع نفسي تعيشه "هند" حين تقول: "أتمدّد بالروب على سريري قليلاً وأسترسل في حلم يقظة، هو حلمي الأثير. أخبرتني ميشا يوماً أن جنّة مثيلاتي وأمثالي من الخارجات والخارجين على قوانين الجنس والجندر، مدينةٌ في أميركا اسمها سان فرنسيسكو. مذّاك لا أحلم إلا بسان فرنسيسكو. أغمض عينيّ، أتخيّل نفسي فيها وأردد المانترا: «كنْ فيكون. كنْ فيكون». "

وعليه، تفتح هذه الرواية المرتقبة أفق الاسترسال فيما اكتنفته هذه الساعة من الزمن بقلم جمانة حداد. فهي تأخذ المترقبين لقرآتها إلى الماورائيات المنتظرة في مشهديات تصورها "حداد" من واقع الانفجار ومخلفاته، عبر "تبادل الأمل والألم بتوقيت قنبلة موقوتة". ثم تكتب نهاية أبطال القصتين مع الحدث المدوي لينتهي كل شيء في الرابع من آب عام ٢٠٢٠ وكأنه لم يبدأ..

في الواقع، أبطال هذه الرواية لا يموتون، بل يعيشون في قضايا مشابهة لم تبدأ في الرابع من آب ولم تنته بعده..

وهكذا تستولد نهاية "الرواية" جدليات لا تنتهي في ثورة جمانة حداد التي تقودها بلغةٍ أدبية سلسة نابضة بأحداث تحاكي الحواس الخمس بقدرتها التعبيرية في نقل الأحداث والصور .

من هي جمانة حدّاد؟

شاعرة وكاتبة لبنانيّة حازت جوائز عربيّة وعالميّة عدّة، فضلاً عن كونها صحافيّة ومترجمة وأستاذها جامعيّة.

شغلت منصب المسؤولة عن الصفحة الثقافيّة في جريدة «النهار» لأكثر من عشر سنوات، وعلّمت الكتابة الإبداعيّة في الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة في بيروت.

اختارتها مجلة «آربيان بيزنيس» للسنوات الأربع الأخيرة توالياً واحدة من المئة امرأة عربيّة الأكثر نفوذاً في العالم، بسبب نشاطها الثقافي والاجتماعي.

من أعمالها عن دار نوفل: «هكذا قتلت شهرزاد» و«بنت الخياطة».