نشأتُ في عائلةٍ تصنعُ اللاشيء. تعلَّموا هذه الصناعة مرّة واحدة في احتفالٍ مهيب؛ أعني حين وَفِدَ مجموعة رجال من الشرق تتقدمهم امرأة وتحدثوا عن شاعر قبيلتهم بشغف. شاعرُ قبيلتهم الذي لا أراه إلا في أفواههم. حينئذٍ وقف جدي على حافة الغثاء وقال: ستكون صناعتنا هي اللاشيء!.

أعلم أن أبي أراد أن يسأله: وما هي صناعة اللاشيء يا أبي؟. لكن جدي بادر إلى مسدسه وأطلق رصاصتين قتلتْ أبي في الحال. كان هذا الحدث الجلل قبل ولادتي بسبعين عاما، ربما في العصر الاسخريوطي، أو ربما بعده بقليل.

سأعود للحديث عن اللاشيء في اللاشيء من جديد:

في مدينة اسمها جدة، تحيط بها الغابات النرويجية من ثلاث جهات وتقبع على حافّة البحر الأدرياتيكي، جاءتْ امرأة من الشرق تقود مجموعة رجال ووقفتْ على منصة مصنوعة من اللا حقيقة، ثم قالتْ:

- انصتوا، وردنا مدينتكم وفي جعبتنا شاعر قبيلتنا.

فقط، هذا كلُ ما تفوهتْ به.

عندئذٍ تقدّم جدي قليلاً ونظر في الفراغ بينهم، ثم سألني:

- أنتَ يا حفيدي تفهم في الشعر، هل ترى شاعرا؟.

فتحتُ فمي لأخبره أنني لا أرى شِعرا في الشِعر، وقبل أن أنطق كان قد تناول حربتَه وغرزها في صدر أمي. حدث هذا القتل الحزين قبل ولادتي بثلاثة قرون، ربما في عصر اشتهار فيلم تايتانيك. أو ربما قبله بقليل.

- يا جدي، الحكاية شديدة البساطة.

هذا ما قلتُه لجدي. فقال:

- وكيف ذاك؟.

أجبتُ:

- يصنع الناس أوهاماً ومقلاةً وثلاث بيضات، ويتناولون الفطور في الفندق القريب من مجرة درب التبانة، ثم يخرجون شاعرا، لا أراه، من معاطفهم، وهكذا.

فكّر جدي قليلاً، ثم قال:

- لا فطور في الفطور، لا معاطف في المعاطف، لا فنادق في الفنادق.

قلتُ حتى أجاريه:

- ولا تبانة في التبانة.

ضحك جدي في تلك اللحظة بالذات، وأمر معاونه الأول، وكان أعرج، بتأسيس تجارة العائلة: صناعة اللاشيء.

في الليلة التي سبقتْ إطلاق نشاط عائلتنا المُبتَكر، سأل أحدهم:

- كيف سنروّج بضاعتنا أيها الجد؟

قال الجد، وكان قد توفي قبل عصر المعارض:

- كالبقية.

صمتَ طويلا، ثم قال:

- هناك لاعب كرة قدم سجل هدفاً، وكان هذا في العصر الجليدي الأول، ولا يزال يقتاتُ منه حتى اليوم. وآخر قال عبارةً واحدةً في اللا عبارة ثم حملها قومه حتى بلغتْ اللا فطور في الفطور.

حين لم يفهم أحد تبسّم مُغضَبَاً ثم قال:

- يجب أن تبيعوا بضاعتكم على طاولةٍ عند حافة مجرة درب الفلاسفة الجدد.

وقبل أن يعود لموته تنهد ببهجة وأضاف:

- إذ ربما لا فلاسفة في الفلاسفة، ولا ماء في الماء، من يدري.

رحم الله جدي رائد صناعة اللاشيء، فقد كان عضوا في رابطة مشجعي نادي صُحْبَة الإكوادوري.