"إيلاف" من مسقط: أيعقل أن يكون نصف سكان الأرض فقراء؟؟ الجواب على ذلك بنعم. هذا ما تؤكد عليه منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، حيث تشير في تقاريرها الدورية إلى أن نحو 3 مليارات شخص أي ما يعادل نصف سكان العالم أو نحو جميع سكان الدول النامية يعيشون في فقر، إذ يقل دخلهم عن دولارين يوميا.

فتقرير المنظمة يشير إلى أن مليارا واحدا من هؤلاء البشر الذين تجاوز عددهم اليوم عن 6 مليارات شخص يعيشون على أقل من دولار يوميا. ودائما يتم تسليط الضوء على هذه المأساة البشرية كالمعتاد في المؤتمرات السنوية التي تعقدها منظمة العمل الدولية بمقرها في جنيف دون أن يشعر العالم بتطور جديد، بل تزداد المآسي الأنسانية والبشرية كل يوم نتيجة القوة والسيطرة التي تستخدمها بعض الدول الكبرى من أجل مصالحها الذاتية، وبالتالي يزداد عدد الفقراء في العالم.

كما أن تكدس الثروات لدى البعض هو السبب المباشر الآخر الذي يؤدى إلى هذا الخلل الاقتصادي الاجتماعي في العالم، وهذا ما يحرم الشعوب من العمل والإنجاز، وبالتالي تزداد معدلات البطالة كل عام. فالارقام الرسمية تشير إلى أن معدلات البطالة تزداد عاما بعد عام ليصل عدد العاطلين عن العمل في العالم اليوم إلى أكثر من 180 مليون عاطل منهم 16.4 مليون عاطل عربي وفق آخر دراسة لمنظمة العمل العربية، أي أن معدل البطالة في الوطن العربي بلغ حاليا أكثر من 15.7%.

أما تقرير منظمة العمل الدولية فيشير إلى أن أكثر من مليار من العاملين في العالم يعملون في وظائف دون مستوى مهاراتهم، أو لا يجدون سوى وظائف لبعض الوقت، مؤكدا في تقريره أن الفقر ليس مقصورا على العالم النامي فحسب بل يظهر أن أكثر من 10% من مواطني أكبرعشرين دولة صناعية يعيشون بأقل من نصف متوسط الأجور.

وفي الوطن العربي تعتبر البطالة أحد أهم التحديات التى تواجه الاقتصادات العربية فى هذه المرحلة وخلال السنوات المقبلة نظرا لأنعكاساتها العميقة على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية. ويوضح التقرير الإقتصادي العربي الموحد لعام 2002 أن عدد سكان الوطن العربى بلغ نحو 284 مليون نسمة عام 2001 وارتفع إلى نحو 300 مليونا بنهاية العام 2002 وذلك بمعدل زيادة سنوية 2.5% وهو من بين أعلى المعدلات مقارنة بمعدل النمو السكانى فى العالم.

ولكن مقابل هذا التطور يلاحظ تذبذب الأداء الاقتصادى من خلال أرقام الناتج المحلى الاجمإلى للبلدان العربية فى السنوات الأخيرة إذ بلغ معدل نمو الناتج 5.5% عام 1996 ثم تراجع إلى 3.6% عام، 1997 وكان التراجع الكبير فى عام 1998 عندما سجل النمو معدلا سالبا/ناقص 2.5%. وعلى الرغم من تحسنه خلال العامين الماضيين بفضل تحسن الاقتصاديات النفطية إلا أن الاقتصاديين العرب يصفون مستوى نمو الاقتصاد العربى بأنه كان "دون الطموحات.
إ
ن نسبة البطالة الحالية في الوطن العربي مرشحة للارتفاع بنسبة 1% سنويا مما يكلف الدول العربية 115 مليار دولار. وهذا المبلغ الخيالي يمكن أن ينجز الكثير من المعجزات في الوطن العربي للشباب الباحث عن العمل، ويحقق طموحات الكثير من الأفراد الذين يتطلعون إلى تحقيق آمالهم وأمنياتهم، ويقضي على آفة الأمية التي تزداد معدلاتها في العالم العربي، في الوقت الذي تسخر الأمم الأخرى جهود أبناءها المتعلمين للدخول في مراحل جديدة من التنمية، والإستفادة من التقنيات وشبكة المعلومات الدولية، بينما نرى أن الفرد العربي في بعض أنحاء هذه المعمورة يعاني من عدم استطاعته تركيب خط هاتفي ثابت في منزله. وعلينا أن ندرك أنه بالرغم من وجود هذا العدد من العاطلين عن العمل في الوطن العربي، فإن معدل نمو القوى العاملة العربية مرتفعا أيضا مقارنة ببلدان العالم، ويعود ذلك إلى التركيبة العمرية للسكان فى الوطن العربي والتى تتميز بقاعدة فتية فضلا عن تزايد مساهمة المرأة فى سوق العمل.

وعموما يرى القائمون على الوضع الاقتصادي العربي أن هيكل القوى العاملة العربية يتصف بصفات سلبية عديدة أهمها تدنى الإنتاجية وبخاصة فى قطاع الزراعة، وضعف مشاركة الإناث فى قوى العمل العربية إذ يصل هذا المعدل إلى حوإلى 25% عدد من الدول العربية وينخفص دون 25% فى دول عربية أخرى ومنها دول مجلس التعاون الخليجي.

ولا شك أن الإنخفاص الكبير فى أسعار النفط قد ساهم فى تراجع نمو الناتج المحلى الاجمإلى للوطن العربى خلال بعض السنوات الماضية، إلا أن تحسن هذه الأسعار خلال الآونة الأخيرة نتيجة للأوضاع السياسية في العالم من شأنه أن يساهم فى ارتفاع عائدات حكومات الدول المنتجة وبالتإلى ارتفاع معدل النمو الاقتصادى، الأمر الذي يتطلب إستغلال هذه الزيادة في توفير المزيد من خدمات التعليم والتأهيل والتدريب للفرد العربي بحيث يتمكن من مواكبة التغييرات التي يشهدها العالم في مختلف شؤون الحياة، وبالتالي الأعتماد على نفسه وأيجاد مصدر دخله ولأسرته.

فطبيعة التحدى الذى تمثله ظاهرة البطالة لا تتصل فقط بمعدلاتها العالمية بل أيضا باستمرارها وتنامى معدلاتها عبر فترة من الزمن ليست بقصيرة فى عدد من الدول العربية الأخرى، وهذا ما نشاهده ونلمسه في دولنا الخليجية أيضا حيث تتزايد أعداد الباحثين عن العمل، بينما هناك مجموعات يمكن أن نطلق عليهم صفة العاطلين عن العمل، حيث لم تعرف منطقتنا هذه الظاهرة خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات، كما أن هذه الظاهرة لاتقتصر فقط على العاملين من ذوى المؤهلات العلمية المتواضعة بل تشمل ايضا خريجى الجامعات والمعاهد العليا بشكل متزايد.

لقد التزم العالم في عام 2000 بخطة تستهدف تخفيف معدل الفقر العالمي إلى النصف بحلول العام 2015، ولكن يبدو من تصريحات المسؤولين في منظمة العمل الدولية بأن هذه الخطة متعرضة للفشل ما لم تتحد الحكومات والموظفون والعمال لخلق مزيد من الوظائف، مؤكدة في دراستها "العمل هو الطريق للخروج من الفقر"

وهذه دعوة صريحة للمجتمع العالمي وللدول الكبرى أيضا بأن يفتح الطريق أمام الشباب في العالم بأن يعمل وينتج ويتاح لهم فرض الاستفادة والعمل في الخارج، وألا يشكل هاجس الخوف من الإرهاب في وقف الهجرات للباحثين عن العمل في ظل الإتفاقيات الدولية التي تدعو إلى السماح للباحثين عن العمل بالعمل في غير دولهم وفق النسب المسموحة بهذا الخصوص. فالجميع يدرك النتائج السلبية المترتبة عن ازدياد معدلات البطالة في العالم سواء على الوضع السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي العالمي، وهذا ما يجب إدراكه قبل فوات الاوأن.