أزمة الغاز الروسي أول حروب القرن الحالي



اندريه مهاوج من باريس

بغض النظر عن التداعيات الاقتصادية البحتة لازمة النفط الروسي لاوكرانيا التي لم تعد بعض دول الاتحاد الاوروبي في منأى منها ، فان لهذه القضية ابعادا سياسية قد تحكم الى حد بعيد العلاقة المستقبلية بين روسيا من جهة ودول العالم من جهة اخرى وفقا لقاعدة بسيطة تقوم على مبدأ استبدال الدبابات بالمحروقات، فروسيا التي فقدت السيطرة على دول اوروبا الشرقية بعد انهيار الكتلة الشيوعية اصبحت مضطرة للتعامل مع المجتمع الغربي بعيدا عن التهديد بالدبابات والصواريخ كما كان الحال خلال الحرب الباردة.وبالتالي فان المحروقات اصبحت في المرحلة الراهنة احد المرتكزات الاساسية للسياسة الروسية الخارجية .

فوراء الخلاف الروسي الاوكراني على مسألة سعر الغاز تخفي موسكو هدفين رئيسين اولهما استعادة السيطرة على شبكة انابيب نقل الغاز الى الدول الاوروبية وبالتالي التحكم الى حد ما باقتصاد هذه الدول وثانيا منع اوكرانيا من الـوقوع نهائيا في quot; ايدي quot; الحلف الاطلسي و معه الاتحاد الاوروبي وفقا لمـا يقوله مسؤولون روس عبروا صراحة عن مخاوفهم من مواقف الرئيس الاوكراني فيكتور يوتشينكو ، الذي لا يخفي حماسه لتوسيع الاتحاد الاوروبي وضم كل دول اوروبا الشرقية اليه لتشكيل تكتل سياسي واقتصادي كبير وقوي قادر على مواجهة النفوذ الاميركي وكذلك الجار الروسي العملاق .

من هنا فان موسكو التي كانت دائما حذرة من ابتعاد دول الاتحاد السوفياتي السابق عن دائرة نفوذها وتقربها من دول الاتحاد ، تسعى الان لاستبدال قوتها العسكرية ودباباتها التي كانت طوال عقود الضمان الاساسي لاستمرار الكتلة الشرقية ، بسلاح المحروقات وبالتالي الى استخدام هذا السلام الجديد للضغط سياسيا واقتصاديا على الغربمن خلال التحكم ببعض مصادر الطاقة الضرورية .

ومن اجل تحقيق هذا الهدف عمدت موسكو الى الضغط على الدول المجاورة التي تمر عبر اراضيها انابيب نقل االغاز ، مثل اوكرانيا وجورجيا وروسيا البيضاء. واذا كان البلدان الاخيران قد رضخا للغضوط الروسية في هذا المجال مقابل استمرار تزويدهما الغاز الروسي باسعار مخفضة ، فان اوكرانيا لا تزال تقاوم ضغوط موسكو التي بدأت باوجه متعددة منذ عام تقريبا عند انتصار ما وصف بـ quot;الثورة البرتقاليةquot; التي ادت الى قيام حكومة قريبة من دول الاتحاد الاوروبي على حساب الحكومة السابقة المدعومة من موسكو .

وربما تكون روسيا ارادت الانتقام لتلك الهزيمة عبر السلاح الاقتصادي الذي سيصيب بالدرجة الاولى الشعب الاوكراني الذي تصفه وسائل الاعلام الروسية بـ quot; سارق الغازquot; وبعميل الاستخبارات الاميركية .

وبما ان روسيا تتسلم هذه السنة وللمرة الاولى رئاسة مجموعة الثماني فانها تريد من قطع الغاز على اوكرانيا ليّذراعالدول الصناعية الغربية التي سيخصص قادتها اجتماعهم المقبل في حزيران يونيو في سان بترسبورغ لشؤون الطاقة ومصادر التزود بها واستقرار الاسعار وما لذلك من تأثير مباشر على النشاط الاقتصادي في وقت بدأت فيه بعض الدول تبحث عن مصادر طاقة بديلة .

فبلوغ سعر برميل النفط ستين دولارا يضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موقع القادر على التفاوض مع الاوروبيينلمدهم بما يحتاجونه من طاقة مقابل عدم تعطيل سياسته في دول البلقان .

فروسيا التي لا تمتلك سوى 6 فاصل واحد بالمئة من المخزون النفطي العالمي تستخرج لوحدها ما يقارب من 12 بالمئة من الانتاج اليومي العالمي بينما تبدو هيمنتها على قطاع الغز اكثر قوة اذ انها تمتلك 26 فاصل سبعة بالمئة من المخزون العالمي وتنتج يوميا 21فاصل تسعة بالمئة من الانتاج العالمي .

من هنا فان صحيفة لوموند الفرنسية تصف الازمة الراهنة بانها اولى حروب القرن الواحد والعشرين وتقول ان النفط اصبح سلاحا مدمرا لا بل احد اسلحة الدمار الشامل وموسكو التي انحدرت الى مصاف الدول شبه الفقيرة بعد انهيار الكتلة الشرقية تجد في سلاح النفط ومشتقاته وسيلة لاسترجاع بعض من هيبتها .