quot;المركزي الأردنيquot;: المضاربة عليه ستكون مكلفة
الحزم لإبقاء سعر صرف ثابت للدينار مقابل الدولار



عصام المجالي من عمّان

اتخذ البنك المركزي الأردني في تشرين الأول(أكتوبر) عام 1995 قرارا استراتيجيا بربط سعر صرف الدينار الأردني بالدولار الأميركي عند 41,1 دولار للدينار، وأتبع البنك المركزي سياسة نقدية تقشفية واخذ موقفا حازما تجاه إبقاء سعر صرف ثابت للدينار مقابل الدولار مرسلا رسالة واضحة بان الدينار لن يعوم والمضاربة عليه ستكون مكلفة وغير مجزية، وساعد هذا القرار على الحد من الضغوط التضخمية والحفاظ على القوة الشرائية للمستهلكين. وخلال العشر سنوات الماضية، ثبت نجاح سياسة سعر الصرف هذه، وتقلصت عمليات المضاربة على الدينار بشكل كبير، وتم القضاء على ما تبقى من مخاوف بإمكانية حدوث تراجع مفاجئ في سعر الصرف والتي كانت في السابق تؤثر سلبا على قرارات الادخار والاستثمار في البلاد.

وأصبح سعر صرف الدينار الثابت مقابل الدولار بمثابة مرساة لسياسة نقدية مستقرة وذات مصداقية، واستطاع البنك المركزي من خلالها أن يخفض من معدلات الفائدة على الدينار إلى مستويات قريبة جدا من تلك التي على الدولار دون أن يؤثر على حجم الادخار بالعملة المحلية، وتقلصت تدفقات رأس المال إلى الخارج مما انعكس إيجابيا على احتياطي المملكة من العملات الأجنبية، والتي وصلت مؤخرا إلى 1,5 مليار دولار.

والدول التي تعتمد نظام صرف متغير لديها الخيار بأن تخفض قيمة سعر صرف عملتها متى أرادت بهدف تقليص وارداتها عن طريق جعلها أكثر كلفة للمستهلك في السوق المحلي، كما أن انخفاض سعر الصرف يجعل من السلع المصدرة إلى الأسواق العالمية أكثر تنافسية. إلا أن هذا لا ينطبق على الأردن الذي تشكل صادراته من الفوسفات والبوتاس والمواد الكيماوية والأدوية وغيرها والمسعرة معظمها بالدولار الجزء الأكبر من صادرات المملكة وبالتالي لن يساعد تخفيض سعر صرف الدينار مقابل الدولار على زيادة القدرة التنافسية لهذه الصادرات في الأسواق العالمية.

ومن ناحية الواردات، سيكون لعوامل عدم اليقين المصاحبة لعملية تعويم العملة تأثير سلبي على المستوردين أكثر بكثير من تلك المتعلقة بارتفاع أسعار الواردات والتي غالبا ما يتعامل معها المستورد بالتحول إلى سلع اقل تكلفة من دول مثل الصين وغيرها من جنوب شرق آسيا.

ويقول الدكتور هنري عزام الرئيس التنفيذي لشركة (أموال انفست) quot;ينبغي أن يأخذ نظام سعر الصرف المتبع جميع الجوانب المتعلقة بميزان المدفوعات بما فيها الميزان التجاري وميزان الخدمات وحساب رأس المالquot;.

وفي الأردن، غالبا ما يقابل العجز الكبير في الميزان التجاري (إجمالي قيمة السلع المستوردة ناقص السلع المصدرة) بفائض في ميزان الخدمات (صافي الدخل من السياحة وتدفق الحوالات المالية من الأردنيين العاملين في الخارج وصافي صادرات الخدمات المهنية). ويعود تفاقم العجز في الميزان التجاري للأردن إلى الارتفاع الكبير الذي طرأ على أسعار النفط العالمية، ولقد أصبحت الفاتورة النفطية تشكل حوالي ربع إجمالي واردات المملكة، وبما أن النفط مسعر بالدولار فان الطلب عليه يتميز بانعدام المرونة، أي أنه لا يتجاوب مع ارتفاع الأسعار، وبالتالي لن يكون لتعويم سعر صرف الدينار مقابل الدولار أي تأثير يذكر على الجزء الأكبر من الواردات.

ويرى عزام أن الميزة الرئيسية لتثبيت سعر صرف هو المحافظة على ثقة المستثمرين في العملة والحد من المخاطر التي قد يتعرض لها المتعاملون بسبب أي تراجع محتمل في سعر الصرف وبالتالي التشجيع على الادخار والاستثمار وتقليص تدفقات رأس المال إلى الخارج. وبما أن الأردن يتمتع بحرية كاملة لتدفقات رأس المال فهذا يعطي أهمية إضافية لثبات سعر الصرف.

واتضح خلال العشر سنوات الماضية بأن نظام سعر الصرف الثابت هو بمثابة مرساة لسياسة نقدية مستقرة وذات مصداقية، وهو شبيه بوضع الاقتصاد في قالب أو رداء محدد يقلص من الضغوطات التضخمية التي غالبا ما ترافق عملية النمو الاقتصادي، ونجاحه يتطلب وجود استقرار اقتصادي كلي (Macroeconomic stability) ولا يسمح بالتجاوزات أو الاختناقات. أما إذا أغدقت الحكومات في الإنفاق وتقلصت المساعدات الخارجية وتم تمويل عجز الموازنة عن طريق الاقتراض من البنك المركزي، والذي هو بمثابة طبع للعملة، يصبح هذا الرداء ضيقا وتبدأ التشققات بالظهور عليه.

وأضطر البنك المركزي اضطر إلى رفع أسعار الفائدة لجذب الأموال المطلوبة، فأسعار الفائدة على سندات الخزينة لفترة 5 سنوات وصلت مؤخرا إلى حوالي 9%. وزيادة الاقتراض لتمويل العجز سيرفع من حجم المديونية، مما سيخالف قانون الدين العام، وعاجلا أم أجلا سيؤدي الاقتراض الداخلي بالحكومة إلى مزاحمة القطاع الخاص على مصادر تمويلية، وإذا تحول الأردن للاقتراض من الخارج لتمويل العجز فان هذا سيؤثر على الاحتياطات التي يملكها البنك المركزي من العملات الخارجية.