التكامل الزراعي العربي في مواجهة التكتلات الاقتصادية العالمية
25 مليار دولار سنويا ...فاتورة الواردات العربية من السلع الغذائية


محمد نصر الحويطى من القاهرة


اشتعل الصراع بين الدول النامية والمتقدمة ووصلت الأمور إلى ذروتها حول تحرير تجارة السلع الغذائية وتحديدا بعد فشل الجولة الأخيرة للاجتماع الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في التوصل إلى حل مشاكل دعم السلع الغذائية ,وهو الصراع الذي تتخوف الدول الفقيرة أن يؤدى إلى زيادة أسعار السلع الغذائية إذا ما استطاعت الدول المتقدمة فرض وجهة نظرها وإلغاء الدعم على هذه السلع.

وبات واضحا أن مواجهة تحكم التكتلات الاقتصادية العالمية ورغبات الدول المتقدمة في اكثر من 90% من حجم التجارة في العالم لن يتم التغلب ولتصدى له إلا بحل واحد وهو التعاون والتكامل الزراعي بين الدول العربية وإنشاء مشروعات مشتركة تحد من فاتورة الواردات الغذائية العربية من دول الغذاء والتي تقدر بنحو 25 مليار دولار سنويا فضلا عن تفعيل اتفاقية التيسير العربية التي تسمح بمرور المنتجات بين الدول العربية دون جمارك .

ويتبادر إلى الأذهان سؤالاً ملحا وهو ماذا يمكن أن تفعل الدول (العربية) لمواجهة هذه الخطوة المتوقعة خاصة والفجوات الغذائية العربية وصلت إلى ما يقرب من 15 مليار دولار ووصل حجم الأنفاق على الغذاء في مصر تحديدا إلى نحو 155 مليار جنيه حسب إحصائيات وزارة التخطيط المصرية وأصبح المصريون ينفقون 65 مليار جنيه سنويا على الغذاء.


(إيلاف)فتحت الملفوالتقت بخبراء الغذاء والزراعة في مصر لتتعرف منهم على شروط الاستثمار العربي المشترك في مجال الزراعة وكيف يمكن تحقيقه؟ , وهل يمكن لهذا التكامل أن يدعم المواجهة الشرسة التي تواجه الصادرات العربية ؟..!


الاستثمار الزراعي
الدكتور أحمد جويلى الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية يؤكد أن تنمية الوعي الزراعي والاستثمار الزراعي فيما بين الدول العربية اصبح أمرا لا محالة منه في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه المنطقة العربية وزيادة حجم الفجوة الغذائية العربية والتي وصلت إلى ما يقرب من 15 مليار دولار متوقعا زيادتها في ظل تزايد أعداد حجم السكان في الوطن العربي مشيرا إلى أن هناك ضرورة كبيرة لقيام مشروعات عربية إنتاجية مشتركة لزيادة الإنتاج وسد الفجوة الزراعية والغذائية خاصة وان الاستثمارات العربية الحالية في المنطقة لا تزيد عن 20% من الناتج المحلى الإجمالي والتطورات والمتغيرات الدولية تفرض علينا ضرورة استخدام كل مواردنا خاصة الزراعية منها من اجل تحقيق الاكتفاء الذاتي واستغلال المميزات والتسهيلات الكبيرة التي تمنحها اتفاقية التجارة الحرة العربية والتي تخفض الجمارك إلى (صفر) .

ويشير الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية إلى أن هناك إمكانية كبيرة للحد من فاتورة الواردات الغذائية التي تمثل عبئا كبيرا على كل الموازنات العربية وذلك من خلال إنشاء مشروعات غذائية مشتركة فضلا عن استغلال جميع الأراضي الموجودة بالوطن العربي كالتي في السودان وسوريا والمغرب العربي ومصر ومعظم الدول العربية الأخرى خاصة وان معظم الدول العربية أصبحت الآن تعتمد على تلبية احتياجاتها الزراعية والغذائية من الخارج وتحديدا احتياجاتها من الحبوب موضحا ان المتغيرات الدولية تفرض علينا زيادة حجم التبادل التجاري العربي والصادرات التي لم تتعد نحو 144.7 مليار دولار في الفترة الأخيرة برغم الإمكانيات الكبيرة التي تملكها المنطقة.


قصور هياكل النقل
قصور هياكل النقل البرى والبحري والجوى من أهم أسباب ضعف التبادل التجاري الزراعي بين الدول العربية هذا ما يقوله الدكتور أسامه خير الدين رئيس الاتحاد العام لمنتجي ومصدري الحاصلات الزراعية في مصر والذي يؤكد انه حتى الآن لا توجد طرق برية بين العديد من الدول العربية فمثلا رغم أن المسافة بين القاهرة و(تبوك) بالمملكة العربية السعودية لا تتعدى 650 كيلو متر إلى أن السلع الزراعية تأخذ زمنا يتعدى 96 ساعة حتى تصل إلى السعودية من مصر, لذا فان تنشيط التبادل التجاري والزراعي العربي يحتاج إلى تحقيق التكامل ووضع استراتيجية كاملة للنقل تأخذ فى اعتبارها دراسة العوامل السابقة والحالية التي تعوق حركة التنقل فيما بين الدول العربية .

ويشير رئيس الاتحاد العام لمصدري المنتجات الزراعية المصرية إلى أن تعظيم القدرة التنافسية بين جهات الإنتاج والتسويق في بلدان العالم العربي سيساهم دون شك في التصدي للتكتلات الاقتصادية العالمية وخلق كيان زراعي غذائي عربي موحد.


سياسات الحكومات العربية
الدكتور فاروق الشبكي رئيس الجمعية المصرية لمنتجي ومصدري ومصنعي النباتات العطرية والطبية في مصر يشير إلى أن نسبة التجارة البينية فيما بين الدول العربية حتى الآن تبلغ 10% فقط من حجم تجارة الدول العربية وهو ما يؤكد مدى الضعف الذي تعانى منها التجارة العربية البينية مرجعا ضعفها إلى عوامل عديدة أهمها سياسات الحكومات العربية ذاتها والتي لم تنجح حتى الآن في إزالة الحواجز الجمركية فيما بينها رغم تمتع السوق العربي بإمكانيات ضخمة تؤهله لأن يكون كيسانا اقتصاديا عالميا .

ويطالب الشبكي بضرورة إزالة المعوقات والحواجز الجمركية بالإضافة إلى تخصيص كل دولة عربية في الزراعات بها على أن يتم وضع استراتيجية عامة تخدم القصور الذي تعانى منه الصادرات العربية الزراعية محددا ذلك من خلال إرساء برامج تعليمية وتدريبية للعاملين في مجال الزراعة بدءا من الفلاح ونهاية بالمصدر.

مزايا تنافسية
وجود تبادل زراعي عربي يعتبر خطوة هامة في سبيل تحقيق التكامل العربي والتصدى للتكتلات الاقتصادية العربية هذا ما تؤكده الدكتورة راوية البسيونى الأستاذ بقسم بحوث معاملات ما بعد الحصاد بوزارة الزراعة المصرية والتي تشير إلى ن السوق العربي يتمتع بمزايا تنافسية كبيرة جدا تتجلى في المناخ والطبيعة الزراعية لمعظم البلدان العربية فضلا عن توافر الأيدي العاملة الأمر الذي يدعو إلى تكاتف الجهود لخلق كيان عربي زراعي موحد يمكنه المنافسة خارجيا.

وتؤكد أستاذ البحوث الزراعية أن أسواقنا العربية تستورد من الاتحاد الأوربي ما يوازى 38 مليار يورو منها 20 مليار يورو للسلع الغذائية فقط ,لهذا فان الدول العربية عليها أن تسعى لتدعيم ذلك التكامل واستغلال تلك الفرص المهمة لتنشيط الحركة الاقتصادية العربية وخاصة في المجال الزراعي نظرا لما يمثله هذا القطاع من أهمية قصوى لتحقيق الأهداف التنموية في العامل العربي.