بذل جهود لبنانية مضاعفة لتحقيق النمو



بيروت


عندما أقر مجلس الوزراء في تشرين الأول (اكتوبر) الماضي مشروع موازنة العام 2005، قبل شهرين ونيف من انتهاء السنة، حرصت الحكومة على ان لا تزيد نسبة العجز عن 28 في المئة، وقد احيل المشروع على مجلس النواب لمناقشته واقراره، وهو يحمل 9700 مليار ليرة للنفقات التي لا تزال تتم على اساس القاعدة الاثني عشرية، في مقابل 7275 مليارا للايرادات، وبذلك يكون العجز 4245 مليار ليرة، كذلك حمل المشروع امكان تحقيق فائض اولي بـ 4000 مليار ليرة، وقد اعطت الحكومة بهذه الارقام اشارات حول مساعيها الجدية في تحقيق الاصلاح المالي الذي سيتم التركيز عليه بشكل مفصل في مشروع موازنة العام 2006، والذي تعكف وزارة المالية حاليا على دراسته تمهيدا لرفعه الى مجلس الوزراء واقراره ومن ثم احالته الى مجلس النواب.

وتبرز أهمية مشروع موازنة العام 2006،وحسب ما جاء في صحيفة المستقبل اللبنانية كونه سيعتمد الاسس التي سبق للرئيس فؤاد السنيورة ان اوردها في مشروعه لموازنة العام 2005 عندما كان وزيرا للمال، ويستند في معظمها الى الأسس التي حددها صندوق النقد الدولي، وخصوصا لجهة الالتزام الكامل بتحقيق توافق سياسي على تبني الاصلاحات الاقتصادية والمالية والادارية التي تؤكد على الالتزام الحاسم بها كسلة واحدة وبتنفيذها مهما اقتضى ذلك من تضحيات، مع العلم ان تطبيق القوانين والتدابير الاصلاحية من شأنها ان تحقق نتائج مالية بدءاً من السنة الأولى على تطبيقها، ما يسهم في خفض تدريجي في نسبة العجز في الموازنة حتى تلاشيه، وهو ما ينبغي العمل لانجازه في العام 2010. غير ان تحقيق ذلك يتطلب كما يرى الرئيس السنيورة بذل جهود مضاعفة من جهة أولى لتحقيق النمو والاستقرار المستدام في الاقتصاد الكلي وفي المالية العامة لمعالجة مشكلة العجز ومعضلة الدين العام، ومن جهة أخرى كان هناك ضرورة ماسة للعمل لتعزيز الثقة بمستقبل الاقتصاد اللبناني وجاذبيته بما يسمح بجلب الاستثمارات الخارجية.


زيادة مستمرة في الفائض الأولي لتحقيق التوازن في العام 2010

لقد اظهرت ارقام وزارة المالية ان العجز المجمل (موازنة وعمليات خزينة) خلال الاشهر الاحد عشر الاولى من العام الماضي (كانون الثاني/يناير ـ تشرين الثاني/نوفمبر 2005) بلغ 2.390 ملياري ليرة وهو ما يعادل نسبة عجز قدرها 26.01% من مجمل النفقات وذلك بالمقارنة مع العجز الاجمالي للفترة ذاتها من العام 2004 والذي بلغ 2.754 ملياري ليرة أو ما نسبته 28.94% اي بانخفاض قدره 364 ملياراً أو 13.22% عن الفترة المقابلة من العام 2004.
من جهة أخرى، بلغ الفائض الأولي الاجمالي الذي تحقق خلال هذه الفترة من العام الحالي 749 مليار ليرة ونسبته 8.15% من مجموع النفقات وذلك بالمقارنة مع فائض اولي اجمالي بلغ 878 مليار ليرة في الفترة ذاتها من العام 2004 أي بتراجع قدره 129 مليار ليرة أو 14.66%. يعود هذا الانخفاض الى الزيادة التي لحقت بالإنفاق من خارج خدمة الدين من جهة، والانخفاض في الواردات من جهة أخرى.

ويظهر ملخص الوضع المالي أن اجمالي ايرادات الموازنة والخزينة المحصلة حتى نهاية شهر تشرين الثاني من العام 2005 قد بلغت 800 6 مليار ليرة أي بزيادة قدرها 37 مليار ليرة عما كانت عليه خلال الفترة ذاتها من العام 2004، وتمثل نسبة زيادة قدرها 0.55% بالمقارنة مع العام الماضي.
أما اجمالي مدفوعات الخزينة (موازنة وعمليات خزينة أخرى فقد بلغ حتى نهاية شهر تشرين ثاني من العام الحالي 9.191 مليار ليرة وذلك بالمقارنة مع مبلغ 9.517 مليار ليرة للفترة ذاتها من العام 2004 أي بانخفاض في حجم الإنفاق الاجمالي قدره 326 مليار ليرة أو بنسبة قدرها 3.43%.

تجدر الإشارة الى أنه، وحتى نهاية شهر تشرين الثاني من العام 2005، بلغ مجموع الإنفاق على خدمة الدين العام 3.139 مليار ليرة أي بانخفاض تراكمي قدره 493 مليار ليرة عما كان عليه مجموع خدمة الدين العام حتى نهاية تشرين الثاني من العام 2004.
من جهة أخرى فإن مجموع الإنفاق من خارج خدمة الدين العام وحتى نهاية تشرين الثاني من العام 2005 بلغ 6.052 مليار ليرة وذلك بالمقارنة مع مبلغ 5.885 للفترة ذاتها من العام 2004 أي بزيادة في حجم الإنفاق من خارج خدمة الدين العام قدرها 167 مليار ليرة أي بارتفاع قدره 2.8% عن العام الماضي، وأعادت الوزارة السبب الرئيسي لارتفاع الانفاق من خارج خدمة الدين، الى تحويلات لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان.


موازنة 2006
اذا كانت موازنة 2005، اقتصرت على الايرادات والنفقات، خصوصاً وأن التطورات السياسية والأمنية قد حالت حتى الآن دون اصدارها، فان الاهتمام يتركز حالياً على اعداد مشروع موازنة العام 2006، الذي ينتظر ان يعتمد الأسس التي سبق للرئيس فؤاد السنيورة ان أوردها في مشروع موازنة العام 2005 الذي لم ير النور.

وتبرز أهمية هذا المشروع لكونه يستند الى خلفية الأسس التي حددها صندوق النقد الدولي، وينطلق من قواعد فرضيات أساسية:
1 ـ ضرورة الالتزام الكامل بتحقيق توافق سياسي على تبني الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية التي تدعم وتؤكد الالتزام الحاسم بها كسلة واحدة وبتنفيذها مهما اقتضى ذلك من جهود وتضحيات.
2 ـ العمل وقدر المستطاع على تحقيق زيادة مستمرة ومستدامة في حجم الفائض الأولي من جهة وخفض مبرمج ومستدام لمستوى العجز عما كان ملحوظاً في موازنة العام 2004 على أن يصار وعلى مدى ست سنوات مقبلة التوصل الى تحقيق موازنة متوازنة في العام 2010.

3 ـ عدم تضمين مشروع الموازنة أي زيادة في معدلات الرسوم والضرائب. وفي هذا المجال فإنه على الرغم من الحاجة الشديدة للخزينة لزيادة معدلات بعض الضرائب والرسوم ولا سيما معدلات الضريبة على القيمة المضافة من 10 الى 12 في المئة في المرحلة المقبلة، إلا أن الظروف الموضوعية في البلاد تتطلب إعطاء الأولوية لإجراء الإصلاحات المالية والاقتصادية والإدارية والترشيد والخفض في الإنفاق وتعزيز الإنتاجية ومن دون إحداث زيادة في أي رسم أو ضريبة أو إدخال ضريبة جديدة لزيادة الواردات.
4 ـ اقرار مجموعة كبيرة ومتناسقة من التعديلات القانونية التي تسهم في تعزيز الانضباط المالي وفي ترشيق الادارة والاجهزة بأسلاكها كافة وتخفيض أكلافها، وفي استعمال المقدرات المتاحة بطريقة تنعكس إيجاباً على مصالح المواطنين. هذه التعديلات تستند الى اجراء تغيير في العلاقة بين الدولة والعاملين لديها من خلال عقد جديد ينبني على أساس اعادة الاعتبار الى الكفاءة في اختيار الموظفين والعاملين في الدولة من ضمن مباريات مفتوحة والى اعتماد معايير الانتاجية لقياس مستوى الأداء والمكافأة على أساسه في شتى ادارات الدولة ومؤسساتها وأسلاكها بما يمهد مجدداً لتعزيز الالتزام بهذه الاعتبارات في إدارات ومؤسسات القطاع العام وعمله.

ويرى السنيورة أن اقرار وتطبيق هذه القوانين والتدابير الاصلاحية من شأنها ان تحقق نتائج مالية ابتداء من السنة الأولى على تطبيقها من خلال زيادة في الايرادات تبلغ حوالي المئة مليار ليرة، وانخفاضاً في النفقات يبلغ حوالي 200 مليار ليرة. الا انه من المؤمل ان تزداد هذه المنافع المالية على مدى السنوات القادمة. غير ان النتائج التي ستنجم عن تلك الاصلاحات لن تقتصر فقط على الفوائد المادية المباشرة حيث إنها سوف تنسحب تدريجيا على حركة الاقتصاد الوطني بشكل عام من خلال المنافع الهائلة التي سوف تتحقق بنتيجة الزيادة في الانتاجية وحسن الأداء في إدارات ومؤسسات القطاع العام وكذلك في مستوى الأداء الاقتصادي واستعمال الموارد المتاحة بشكل عام.

أما في السنوات اللاحقة، فطبيعي ومؤكد ان يرتفع مبلغ كل من الزيادة في الايرادات وكذلك الانخفاض في النفقات بوتيرة أكبر، مما يسهم في تخفيض تدريجي في نسبة العجز في الموازنة حتى تلاشيه وهو ما ينبغي العمل لانجازه في العام 2010.


تحديات الاصلاح
لقد أجمع المراقبون المحليون والاجانب على ان حركة التطور والتطوير في البلاد، تميزت خلال السنوات القليلة الماضية بدرجة غير مقبولة من التلكؤ والمراوحة والتراجع عن الاستمرار في الالتزام بسياسة الاصلاح التي كانت الحكومة اللبنانية وفي معرض اقرارها لمشروع الموازنة العام 2003 قد تبنت بعضا منها. الا ان التخلي عن ذلك اضاع على لبنان واللبنانيين فرصا كان يمكن انتهازها والبناء عليها، وحمل لبنان واقتصاده أكلافا باهظة على اكثر من صعيد بما فيها ضياع الفرص الكبيرة التي عرضت، ولكن لحسن الحظ لا تزال تلك الفرص تطرق باب لبنان مدفوعة بمستجدات اقليمية ودولية تفتح للبلاد نافذة واسعة من الامل اذا احسن استخدامها.

واذا كانت الظروف والمناخات المحلية الملائمة، لم تتوافر في المرحلة الماضية للتبني والشروع في تنفيذ الاصلاحات الهيكلية التي استند وانطلق منها مؤتمر quot;باريس 2quot;، فان الحاجة الآن وفي ضوء المتغيرات الحاصلة على الصعد السياسية والاقتصادية والمالية المحلية والاقليمية قد اصبحت اكثر الحاحا من اي وقت مضى للمبادرة وبعزيمة واصرار لتبني تلك الاصلاحات بما فيها العودة الى مسار الخصخصة والتأكيد على ضرورة ترشيد الانفاق والحد من الانفاق من خارج الموازنة، وذلك لتحقيق الاهداف التي يجب الالتزام بها خلال المرحلة القادمة والتي تقتضيها الأوضاع المستجدة والتطورات المرتقبة.

وبناء عليه، فإنه يتوجب على لبنان التعامل مع هذه المستجدات ومعالجتها بما تقتضيه تلك المسائل والتحديات بدءاً من وضوح في الرؤية ومن توافق داخلي بشأن المقاربات والوسائل اللازمة للمعالجة مرورا بالالتزام بتنفيذها كمجموعة مترابطة حتى تتحقق عملية الاختراق اللازمة لجملة المسائل التي يعانيها الاقتصاد الوطني وتقاسيها المالية العامة ويكابدها اللبنانيون.


وفي هذا المجال يرى السنيورة ان المرحلة القادمة تستوجب بذل جهود مضاعفة من جهة اولى لتحقيق النمو والاستقرار المستدام في الاقتصاد الكلي وفي المالية العامة لمعالجة مشكلة العجز في الموازنة ومعضلة الدين العام وتعزيز الاستقرار النقدي. ومن جهة أخرى فان هناك ضرورة ماسة للعمل لتعزيز الثقة في مستقبل الاقتصاد اللبناني وجاذبيته بما يسمح بجلب الاستثمارات الخارجية، بما يمكن من اطلاق طاقات الاقتصاد الكامنة الذي يعمل حاليا بأقل من طاقته الانتاجية في اغلب قطاعاته. ولتحقيق ذلك فانه ينبغي ازالة العوائق والعقبات التي تحول دون الاستعمال الامثل لموارد ومقدرات البلاد وامكاناتها في كل من ادارات ومؤسسات القطاع العام وكذلك ازالة العقبات والعراقيل من امام مؤسسات القطاع الخاص ومبادراتها وبما يؤدي الى تضافر وتعاضد (Synergy) بين جهود القطاعين العام والخاص وبما يحقق من نسب نمو جيدة ومستدامة.