جابر الأحمد رجل الاقتصاد والتنمية بامتياز

الكويت


لعب سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح دوراً محورياً في تأسيس وإرساء العديد من المشروعات والمؤسسات الاقتصادية التنموية الكبرى التي جسدت مستوى عالياً من التزام سموه، رحمه الله، بقضية ازدهار الوطن، وتنمية المواطن، وحل المشكلات بأسلوب علمي وعملي يراعي فيه اتخاذ أفضل القرارات والحلول استناداً إلى رؤية اقتصادية وتنموية واضحة، فقد كان سموه رحمه الله رجل اقتصاد من الطراز الأول تكشفت عقليته بشكل لافت إبان توليه رئاسة دائرة المالية عام 1959 ثم الوزارة عام 1978.

ولقد أجمع من عمل مع سمو الأمير الراحل على أن الفقيد تميز بقدرة فائقة على التحليل وقراءة البيانات والأرقام والمؤثرات، فضلاً عن الرغبة في العمل والإنجاز المصحوبة بالنظرة المستقبلية، فقد كان وراء وضع دعائم الاقتصاد الوطني وإطلاق العديد من الشركات والبنوك الرائدة، فضلاً عن إطلاق مؤسسات مالية عملاقة أبرزها الهيئة العامة للاستثمار التي تمتلك لصالح الدولة محافظ استثمارية دولية وملكيات استراتيجية في أكبر الشركات العالمية.

واهتم سمو الأمير الراحل حسب القبس الكويتية في بداية تأسيس الدولة بعملية وضع اللبنات الأساسية في الاقتصاد الكويتي ونظم الإدارة، فقد شغلت بال سموه بشكل كبير عملية تنفيذ مشروعات المخطط الهيكلي للدولة لاستيعاب الزيادة في عدد السكان وتبدل وسائل ومفاهيم الحياة بعد تصدير النفط، فضلاً عن اهتمام سموه أيضاً بخطط تطوير الجهاز الوظيفي للدولة كي تكون الكويت من الدول المتقدمة على صعيد الإدارة والتنظيم.

وبادر سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح رحمه الله بوضع أسس النظام المالي للدولة من خلال مجموعة مبادئ كانت بمثابة المنهج الاقتصادي الوطني لدولة الكويت الذي ركز على عدالة توزيع الدخل القومي والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي، وعدم تبديد الموارد الاقتصادية إلى جانب اتخاذ الإجراءات الخاصة بإدارة الموارد وفق أفضل السبل، ولتحقيق الرفاهية المالية والاجتماعية للدولة وللمواطن.

وكان من أبرز البصمات الواضحة في مسيرة جابر الأحمد الاقتصادية تأسيس بنك الائتمان الذي تحول فيما بعد إلى بنك التسليف والادخار الذي كان يهدف إلى توفير القروض التنموية في كافة القطاعات الصناعية والزراعية والعقارية وحتى الاجتماعية قبل أن يتخصص في لعب دور اجتماعي لتوفير الرعاية السكنية وقروض الزواج الميسرة للأسر الكويتية انطلاقاً من إيمان سموه بأهمية دور الدولة بالرعاية الاجتماعية للمواطنين.

ومضى سمو الأمير الراحل في سياسة إنشاء المؤسسات الكبرى فبادر في عملية دعم إطلاق الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية كي يكون ذراعاً اقتصادية للسياسة الخارجية ومنبراً للكويت في ربط العلاقات الدبلوماسية والتنموية بين الكويت والعالم، خصوصاً الدول النامية ومنها انطلقت مساهمات ودعم الكويت، كذلك لأنشاء الصندوق العربي للتنمية فكان رحمه الله يعلم مدى مسؤولية الكويت تجاه العديد من دول وشعوب العالم الثالث الآخذة في مسيرة النمو والتقدم.

ولعل ما يتذكره الكويتيون جيداً دور صاحب السمو رحمه الله في تأسيس صندوق احتياطي الأجيال القادمة الذي بات يدير الآن أصولاً تشير التقديرات إلى بلوغها نحو 100 مليار دينار مما يدل على حنكة ورؤية اقتصادية ثاقبة لإدارة الفوائض المالية الناتجة عن إيرادات النفط وحسن توظيفها في استثمارات ممتازة حول العالم لتحقيق مستوى معين من تنويع مصادر الدخل والتوسع في مختلف الأسواق والقطاعات الاقتصادية والاستثمارية وفقاً لدراسات ورؤى علمية ومدروسة.

وكذلك لعب سمو الأمير دوراً مهماً في تأسيس مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ومعهد الكويت للأبحاث العلمية، وهما مؤسستان بحثيتان تهتمان بالدراسات العلمية والإدارية والاقتصادية والبيئية وتشجيع المبدعين وأصحاب الاختراعات وتنمية مبادئ البحث العلمي.

وفيما يتعلق بالتنظيم المالي للدولة فقد كان لسمو الشيخ جابر الأحمد دور محوري في إعادة ترتيب أوراقها منذ كان رئيساً لدائرة المالية مستنداً إلى أفكار عصرية في تنظيم الهياكل الأساسية لاقتصاد الدولة وأبرزها تنظيم وتبويب الميزانية. فقد واكب سموه عملية إصدار القرارات واللوائح والقوانين المنظمة لقواعد إعداد الميزانية والصرف، ومسؤولية الدوائر الحكومية عن أموالها والجهات الرقابية كما لعب سمو الفقيد دوراً مهماً في إعداد القرار الوزاري رقم 16 لعام 1962 الذي نظم وظائف الشؤون المالية في الوزارات والهيئات العامة.

وادرك سمو الأمير الراحل اهمية مساهمة القطاع العام في عمليات التنميةraquo; خصوصا ان الدولة هي المسيطر الوحيد على القطاع النفطي بعد ان تم الغاء الامتياز الذي كان ممنوحا للشركات الاهلية، وسعى الى وضع آلية متميزة لتنظيم واستثمارالعوائد النفطية مع التركيز على زيادة هذه العوائد من خلال زيادة معدلات تصنيع النفط بدلا من تصديره خاما الى الاسواق الدولية.

وقد دفع سمو الامير الراحل باتجاه تصنيع النفط، الامر الذي ادى الى زيادة الاستثمارات الحكومية في المصافي المحلية خصوصا في منتصف الثمانينات.

وكان سموه يملك رؤية مستقبلية ناضجة تمثلت في المبادرة في عدد من المشاريع الجديدة خصوصا تلك المتعلقة بالقطاع النفطي، حيث عمل على تأسيس شركة صناعة البتروكيماويات في عام 1963 سعيا الى تنويع مصادر الدخل القومي من جانب، والاستفادة من موارد الدولة الخام واستغلال الغاز الطبيعي في انتاج البتروكيماويات والاسمدة النيتروجينية المخصبة للتربة من جانب آخر.

وفي هذا الاطار وبفضل الدعم المتنامي شهدت صناعة البتروكيماويات توسعات عديدة كان من ابرزها مشروع مجمع البتروكيماويات وهو المشروع المشترك مع كل من يونيون كاربايد وشركة بوبيان للبتروكيماويات اضافة الى مشروع البولي بتروبيلين.

ومن القرارات المهمة التي اتخذها سمو الامير كان المرسوم بانشاء مؤسسة البترول الكويتية في عام 1980 بحيث تتولى جميع الاعمال المتعلقة بصناعة النفط والمواد الهيدروكربونية على ان تؤول اليها كل من شركة نفط الكويت وشركة البترول الوطنية الكويتية وشركة صناعة الكيماويات البترولية وشركة ناقلات النفط الكويتية، وحصة الدولة في شركة الزيت العربية 60%، ومشروع استغلال الغاز الطبيعي وملكية ناقلات الغاز المسال.

وكان لمؤسسة البترول الكويتية بعد ذلك العديد من المساهمات المهمة الداعمة لزيادة ايرادات الدولة، حيث قامت بالمساهمة في تأسيس الشركة الدولية لتنمية الطاقة (شركة كويتية وكندية واميركية وسويدية) لتتولى مهام الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في اول العالم الثالث، ثم تملكت في 81 شركة سانتافي الاميريكة ليليها في 83 اتفاقية تملكت بها مؤسسة البترول الكويتية المرافق المتممة للانتاج والتابعة لشركة غلف اويل في كل من هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ والتي تتضمن 705 محطات بنزين في هذه الدول اضافة الى تسعة مستودعات كلها تحمل العلامة الكويتية Q8.

المجال الصناعي

وفي المجال الصناعي كان لهذا القطاع المهم اهتمام خاص لدى سمو الامير منذ ان تولى مهام دائرة المالية، وذلك سعيا لتنويع مصادر الدخل وكان من الداعين والعاملين على انشاء منطقة الشعيبة الصناعية في عام 1964، لتكون مركزا للصناعة في الكويت قبل ان يظهر قانون التنمية الصناعية في عام 1965 والذي ساهمت الحكومة من خلاله في تقديم المزيد من الدعم للقطاع الصناعي، اضافة الى تأجير الاراضي الصناعية بأجور رمزية.. الامر الذي ادى الى نمو الناتج الصناعي المحلي الحقيقي وتوسيع القاعدة الانتاجية الى جانب النمو الذي شهده قطاع الصناعات التحويلية وما صاحب ذلك من زيادة في الاستثمار في هذا القطاع الذي زاد بمعدل سنوي قدره 9.35% خلال الفترة من 1974 - 1980.

ومن القرارات المهمة التي ساهم بها واتخذها سمو الامير في سبيل دعم الصناعة كان في مقدمتها قانون الصناعة الذي صدر في عام 1965 والذي تضمن حوافز دعم عيني ودعم اداري للمستثمر الصناعي، تضمن استمرارية المشروعات حيث تقوم الدولة في البداية بتقديم كل ما يحتاجه المستثمر من بيانات ومعلومات واستشارات دون مقابل، اضافة الى شمول المنتج بنظام حماية من المنافسة الاجنبية.. كما قامت الحكومة بتخصيص قسائم صناعية للمستثمرين وتأجيرها لهم باسعار رمزية مع تزويدها بالماء والكهرباء باسعار رمزية.. وتم توزيع هذه القسائم على عدد من المناطق الصناعية التي بلغ عددها اثنتي عشرة منطقة صناعية بلغت مساحتها 1.35 مليون متر مربع وتتركز 35% من المنشآت في منطقة الشويخ الصناعية في حين ان 62% من المنشآت تتركز في مناطق صناعية اخرى بنسب تتراوح بين 06.1% الى 08.9%.

ومن المؤسسات التي اسسها سمو الامير البنك الصناعي في اواخر 73 برأسمال 10 ملايين دينار الذي ارتفع الى 20 مليونا لتدعمه الحكومة بعد ذلك بقرضين قيمتهما 200 مليون دينار بفائدة منخفضة تراوحت بين 5.2 او 3%.