حكايا الفساد تتصاعد في الأردن


عصام المجالي من عمّان

قال ديوان المحاسبة أن سد الكرامة في منطقة وادي الأردن لم يحقق المنفعة المتوقعة للاقتصاد الوطني من خلال المعايير الربحية الاجتماعية،وأن الاقتصاد القومي قد تحمل خسائر ضخمة لا بل اصبح المشروع عبئا على موازنة الدولة إضافة إلى المخاطر البيئية والجيولوجية والفنية.


في الوقت ذاته تحقق لجنة نيابية في quot;وجود شبهة فسادquot; في إعفاءات ضريبية بلغت قيمتها الإجمالية 43.477 مليون دينار قال تقرير ديوان المحاسبة إن الحكومة قدمتها آنذاك لشركات ومؤسسات أعفتها من ضرائب متحققة على المبيعات حينها،والتحقيق فيما أثاره النائب فواز الزعبي من اتهام لإحدى الحكومات بإعفاء أحد الأشخاص من مبلغ 45 مليون دينار بدل ضريبة مستحقة عليه.


وبلغت كلفة إنشاء السد 60 مليون دينار، وأنشئ لري ما مساحته 60 ألف دونم في منطقة الأغوار.وعلى الرغم من أهمية ما ورد بهذه الدراسة فان سلطة وادي الأردن نفذت مشروع سحب مياه نهر الأردن إلى السد بكلفة تزيد على 3 ملايين دينار.


وتكشف الدراسة أن هذا المشروع الذي لم يكن بقرار فني وراءه ما وراءه من الأسرار والخفايا حيث أن وكيل الشركة الإيطالية الرئيسية المنفذة للمشروع هو أحد وزراء المياه السابقين إضافة إلى مسؤولين آخرين لهم حيازات وملكيات تم استملاك بعضها واستبدال بعضها الآخر بأراض مصنفة زراعيا افضل من الأرض المنشأ عليها السد.


وقال ديوان المحاسبة انه تم إنشاء مشاريع جديدة لمحاولة إنقاذ المشروع الفاشل مثل جر مياه نهر الأردن وذلك لغسل الأملاح الموجودة في المياه التي تغطي أرضية وجوانب السد علما بان هذا المشروع ستترتب عليه تكاليف عالية تتمثل بارتفاع كلفة ضخ المتر المكعب من المياه.


وبينت الدراسة أن القرارات التي كانت سبقت إنشاء المشروع كانت قرارات فجائية حيث يتوقف التوجه والتخطيط بفكرة إنشائه ثم فجأة تعود مرة ثانية وتشكل وفود تذهب إلى بريطانيا مكان تواجد الشركة المصممة لدراسة بعض التفاصيل الفنية رغم التحذيرات من المختصين والخبراء الأجانب والأردنيين المعارضين ومنهم الخبير الألماني M.MERKEL والشركة الألمانية PETE.WORZYK الذين أوصوا بصرف النظر عن الإنشاء في هذه المنطقة وكذلك الخبراء الأردنيين منهم الدكتور الياس سلامة، والدكتور عزم الحمود.


وبخصوص الجدوى البيئية للسد بينت الدراسة بان هذا المشروع اصبح يشكل خطورة على البيئة تتمثل بالملوحة الشديدة لمياه السد نتيجة موقعه على تربة وينابيع أملاح تنبع من قاع السد يصل عمقها ما بين 10-12مترا وحيث أن نسبة الملوحة ما بين سطحه وقاعه ما بين 4000-3000 جزء بالمليون لان الأرض المقام عليها السد كانت ملاحات لاستخراج الملح وليست للزراعة ولا لإقامة السدود عليها وان جوانب الوادي هي من صخور لسان البحر الميت الذي يحتوي على الأملاح من هذه المنطقة الغنية بها بعد معالجتها.


وأشار إلى أن بحيرة السد مصدر إزعاج لانبعاث الغازات الضارة وتكوين الطحالب الزرقاء المخضرة السامة والتركيز العالي لمعادن اليورون والكبريت والبروميد في المنطقة التي لها آثار سامة تزيد المياه المالحة سوءا بحيث لا يمكن الاستفادة منها لأي غرض كان والتوجه الحالي بان يتم تسييجه بسياج حرصا على الإنسان والحيوان من المياه المسرطنة.


ومن المظاهر البيئية السلبية انتشار الروائح الكبريتية وتعفن المواد العضوية في بحيرة السد واختلاطها بمياه برك الأسماك في إسرائيل ومنطقة طبريا سببت تلوثا بيئيا لمنطقة الأغوار الوسطى من خلال انتشار الروائح الكريهة التي لا يستطيع الإنسان استنشاقها وانبعاث روائح كبريتية شديدة من مياه السد المفرغة باتجاه نهر الأردن تزيد قوة التلوث البيئي لمياه النهر وتؤدي إلى اتساع قاعدة التلوث لتشمل المناطق المحاذية للنهر على امتداد ما يزيد على 15 كيلو مترا شرقا باتجاه المناطق المأهولة بالسكان.


وتضيف الدراسة أن هناك درجة عالية من المخاطر تضاف إلى المخاطر البيئية لم تؤخذ بعين الاعتبار ولم تحسب درجتها لدى دراسة الجدوى من إنشاء هذا السد إلا وهي المخاطر الجيولوجية المتوقعة حيث أن جسم السد يقع على الصدع الزلزالي الممتد من البحر الميت إلى بحيرة طبريا والذي يمثل الحدود الجيولوجية لالتقاء الصفيحة الإفريقية والآسيوية.


وتقول الدراسة أن المعطيات تؤكد أن هذه المنطقة قد شهدت خمولا زلزاليا واضحا من عام 1927.وان هذا الصدع في مرحلة تراكم طاقة كامنة قد تنبعث على شكل زلزال حيث أن الثقل المائي الهائل والذي يقدر بـ 50 مليون طن يهدد بوقوع زلزال كبير الاحتمال توقعه الخبراء خلال 15 عاما من عمر السد.


أما بخصوص الجدوى الفنية فقد بينت الدراسة أن دراسة الجدوى الفنية لهذا السد تبين أن اختيار موقعه المنخفض عن مستوى الأراضي الزراعية أدى لسحب مياهه سحبا فيما لو كانت صالحة للري وهذه الصلاحية غير متوفرة فيه أصلا، نسبة التبخر فيه عالية لانخفاضه الكبير عن مستوى البحر بمعدل يتراوح ما بين 297-376م أن تغذية السد بمياه سد الملك عبد الله تؤدي إلى تلوثها بالملوحة وبالتالي حرمان الأراضي الزراعية من الاستفادة منها.


وافتقرت الدراسات الفنية لمشروع السد لمخصصات مختلفة وذات الصلة بالمشروع مثل الهايدرولوجية وديناميكية التربة ومخصصات المياه الجوفية والسطحية والإنشائية وعدم مشاركة الخبراء الاقتصاديين بالدراسات، كذلك لم يؤخذ بالاعتبار توفر المياه لتخزينها في حال إنشاء سد الوحدة أو سد خالد بن الوليد، ولا أولوية لمشروع بين مشروع السدود - أن من بديهيات مشاريع الري المتعارف عليها أن تخزن المياه في أماكن تواجد السكان لا أن تنقل بطرق مكلفة أو لتوضع في سدود تروي أراضى غير مجدية اقتصاديا - لم تجر فحوصات حقن التربة لمراقبة تسرب المياه من السد باستمرار مما سيؤدي إلى الحقن الكيميائي للتربة بمواد مستوردة من الخارج تكلف أموالا طائلة حيث أن الحقن بالإسمنت غير ممكن لملوحة المياه في البحيرة وملوحة المياه الارتوازية المتواجدة اسفل السد والبحيرة، أن وجود أملاح وجبص بكثرة في موقع السد تؤدي إلى إضعاف اساساته وهبوط في جسمه لان التربة التي بني عليها تم تصنيفها ضمن الفئة الرابعة من قبل سلطة وادي الأردن تبعا لنسبة الملوحة. حيث لم تتم الاستفادة قط من قطرة ماء واحدة سواء للشرب أو للزراعة من سد الكرامة. ولقد تم استملاك الأرض من اجل السد بعد أن تم تقديرها بأسعار مبالغ بها تصل إلى خمسين ضعفا وعلى اعتبار ما سيكون بعد أن تصبح أراضي مروية وهذا الذي لم يتحقق لغاية الآن.

ولم يشغل هذا المشروع حتى الآن منذ تأسيسه عام 1997 ولم يحقق أية غاية مرجوة من إنشائه وأهدر الملايين من الدنانير واستنزف الاقتصاد الوطني واصبح عبئا ومصدرا لتهديد الأجيال الحياتية القادمة لسوء اختيار الموقع حيث أن هناك بدائل مقترحة أخرى مجدية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ومن هذه البدائل إنشاء عدد من السدود على الأودية الجانبية مثل وادي اليابس كفرنجة راجب والتي يمكن أن تخزن نفس كمية المياه حيث يتم تعبئتها من نفس أوديتها ومن البدائل استخدام المياه الفائضة في وادي زرقاء ماعين والزارا وضخها إلى منطقة جنوب الأغوار وهذا أجود من نوعية مياه السد.


ومن المتوقع أن يكون معدل ملوحة السد يعادل اكثر من ثلاثة أضعاف الملوحة في مياه ماعين والزارا علما بان كمية مياه هذين الواديين تزيد على 30م م3 سنويا وتدل الدراسات على أن تركيز الأملاح في مياه نهر الأردن في الموقع المقابل للسد تقل عن المتوقع جمعها في السد وهذه المياه متوفرة حيث تتراوح ملوحتها من 2000-3000 ميكروسيمينز/ مم صيفا في حين أن اقل تركيز للأملاح في السد لا يمكن أن يقل عن 6000 ميكروسيمينز.


وتشير الدراسة بأنه قد تم تحييد دور ديوان المحاسبة عن إجراءات المتخذة منذ تشكيل اللجنة الفنية وحتى طرح العطاء حيث أن هناك ملاحظات فنية لا حصر لها لدى دراسة العروض المقدمة لتنفيذ المشروع وإحالة العطاء.


وكان ديوان المحاسبة قد رفع هذه الدراسة إلى رئيس مجلس النواب منسبا لرئيس المجلس بمخاطبة رئيس الوزراء لتشكيل لجان فنية واقتصادية من المختصين والخبراء لبيان الرأي المناسب في هذا المشروع العشوائي ووقف المشاريع التكميلية التي عبثا تحاول لا بل من المستحيل الاستفادة من هذا المشروع من اجل تفادي قيام أية مشاريع فاشلة تعرض الاقتصاد القومي لخسائر ضخمة.