مؤتمر laquo;مدريد+15raquo; ومعاركه الاقتصادية


جواد العناني


لمن الغلبة في نهاية المطاف: هل ينتصر البعد الانساني لحاجات البشر الى الطعام والشراب والمسكن على حاجة الانسان للحفاظ على كرامته وكبريائه؟ ليس هذا السؤال مأخوذاً من فيلم مصري قديم، ولا مستوحى من قصة رومانسية. مثل laquo;البؤساءraquo; و laquo;بائعة الخبزraquo; وlaquo;أوليفر تويستraquo; بل هو من واقع شعوب عربية يتنازعها الكبرياء الوطني وحقها في تقرير مصيرها وحريتها مقابل اغراء المال والخبز وسداد الديون.

حضرت أخيراً مؤتمر laquo;مدريد+15raquo; الذي عقد لمراجعة الأمور المتعلقة بالسلام بمناسبة مرور أكثر من 15 سنة على مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد في خريف عام 1991، ولم يحضر سوى عدد محدود ممن حضروا المؤتمر الأول كانت غالبيتهم من الأردن واسبانيا. أما من فلسطين فقد حضرت شخصيتان بارزتان هما الدكتورة حنان عشراوي والدكتور نبيل شعث. ومن أبرز الحضور كان الرئيس السابق للوفد الأردني الدكتور عبدالسلام المجالي، ورئيس وزراء الاردن السابق طاهر المصري، ورئيس وفد الاردن بعدما تسلم المجالي رئاسة الوزراء وهو الدكتور فايز الطراونة، ومن اسبانيا حضر فيليبي غلونزاليس الذي دعا للمؤتمر الأول بصفته رئيس الحكومة الاسبانية آنذاك، وخافيير سولانا الذي يشغل الآن رئيس الدائرة السياسية في الاتحاد الأوروبي، ووزير خارجية اسبانيا الحالي ميغيل انخيل موراتينوس. اما غالبية الوفود المشاركة فكانت جديدة. لقد تغيرت وجوه كثيرة منذ ذلك الحدث عام 1991.

ومن الوفود المشاركة التي استرعت الانتباه كثيراً الوفد اللبناني برئاسة الرئيس السابق امين الجميل وكذلك الوفد الفلسطيني. ورأينا أن المقارنة بين الآمال التي عقدت على المؤتمر الاول وبين النتائج الملموسة على ارض الواقع في كلا البلدين لا تسر عدواً ولا صديقاً.

ففي لبنان، كانت الحرب الطاحنة الداخلية قد بدأت تهدأ وتستقر نسبياً، وصار الحديث عن الاعمار في لبنان هو المهيمن على الحديث عن الحرب والقتال والقناصة في الشوارع. ودخل لبنان أكثر من معركة مع اسرائيل، وشهد انسحاباً اسرائيلياً من اراضيه. ولكن هذا الأمر انقلب بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وشهدنا لبنان يدخل حرباً مع اسرائيل ثم يتحول الأمر بعد المعركة المشرفة الى تنازع بين أبناء البلد الواحد.

أما في فلسطين فانتهت الانتفاضة، ورحل الاسرائيليون او اعادوا تموضعهم في غزة. وحصلت انتخابات وقامت حكومة جديدة ليبدأ النزاع بين الاخوة وأبناء الجلدة الواحدة.

وفي حالة لبنان تريد المعارضة الاطاحة بالحكومة، من طريق الضغط عليها في الشوارع، وتعطيل الحركة الاقتصادية، وشل الدوائر الحكومية. وفي المقابل، يقف المؤيدون للحكومة اللبنانية من الخارج الى جانبها بصلابة، ويقدمون مؤتمر laquo;باريس ndash; 3raquo; لها كي تستطيع القيام بواجباتها وتبقي الحياة الاقتصادية متحركة وميسرة. واكتشفت المعارضة أن كلفة اعادة الاعمار الناجمة عن الدمار الاسرائيلي كبيرة لا تقدر عليها وتريد أن يكون لها قرار في ذلك، عدا عن كونها تريد التأكد من عدم نزع سلاح المجموعات غير الحكومية، وهكذا، صار الاقتصاد يستثمر من قبل الداخل والخارج بالوسائل السلبية والايجابية لتأكيد موقف سياسي وكرامة سياسية ربما تكون نفسها على حساب البلد اقتصادياً وسياسياً.

أما في فلسطين فالحال يكاد يكون نفسه مع الاختلاف الواضح في الأدوار. فالدول الغربية هي التي تقاطع الحكومة وتدعم حركة laquo;فتحraquo; برئاسة الرئيس محمود عباس. وهذا بالطبع لا يعني بتاتاً أن laquo;فتحraquo; تعمل مع الغرب بينما تقارعه laquo;حماسraquo;، ولكنه يعني أن الغرب يرى في موقف laquo;فتحraquo; من عملية السلام موقفاً مقبولاً، بينما يمارس المقاطعة ضد laquo;حماسraquo; لأن موقفها السياسي الحالي لا يخدم السلام. وتتهم كل من ايران وسورية بمناصرة المعارضة في لبنان والحكومة في فلسطين. وهكذا تتكرر لعبة السياسة والاقتصاد مع اختلاف الادوار.

ان الحكمة المطلوبة في البلدين هي بناء موقف داخلي متماسك. واذا وصلت الأمور داخل أي كيان حداً تصبح معه مصالح الناس وحياتهم عرضة للاهمال والاسقاط، بل والاستهداف، لاسترضاء الآخرين في الخارج بغض النظر عن هويتهم، فإن الكلفة فظيعة لا يستطيع احد تحملها. في كلتا الحالتين في لبنان وفلسطين، هناك فتنة يجب احتواؤها فوراً، وإلا فإن مؤتمر laquo;مدريد+30raquo; سيعقد من دونهما.