لجنة مصرفية تحت مظلة هيئة كبار العلماء السعودية مطلب ضروري

قال إن احتكار جهة واحدة للفتوى مخالف لمقصد الشرع والاختلاف رحمة للأمة


عبد العزيز الحمود


شدد الدكتور يوسف الشبيلي عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في حوار مع laquo;الشرق الأوسطraquo; في مكتبه في الرياض على أن وجود لجنةٍ متخصصة في المعاملات المصرفية تعمل تحت مظلّة هيئة كبار العلماء السعوديّة من المطالب الملحّة التي ينادي بها الكثير من المهتمّين بالمصرفيّة الإسلاميّة. وتمنّى الشبيلي والذي يعمل عضوا في اللجنة الشرعية لبنك البلاد أن تتبنّى الهيئة إنشاء لجنةٍ شرعيّةٍ تعنى بالمستجدّات الماليّة من أعمالٍ مصرفيّة وتأمين وشركات استثمار ووساطةٍ وتمويل وغيرها من النوازل التي تتطلّب إصدار فتاوى جماعيّة فيها لتقليل التضارب والتعارض في الفتاوى. وإلى نص الحوار:
* هل توجد مصرفية إسلامية في البنوك الدولية؟

ـ نعم يوجد مصرفية في عدد من البنوك الدولية، مثل فروع الأمانة الدولية التابعة لبنكHSBC، والمصرفية الإسلامية في دويتشيه بنك الألماني، والفروع الإسلامية لمجموعة سيتي بنك الأميركية، وغيرها كثير، وهذا يؤكد أن التحول إلى المصرفية الإسلامية لم يعد قضية إقليمية بل أصبح ظاهرة عالمية، حتى إن البنك المركزي الياباني عين هيئة استشارية تضم عدداً من الخبراء الشرعيين في المصرفية الإسلامية.

* برأيكم لماذا لا يكون هناك لجنة للمصرفية الإسلامية تعمل تحت مظلة هيئة كبار العلماء تعنى بإصدار الفتاوى وتكون هي المرجع الأساسي لمسألة الفتوى؟

ـ هذا من المطالب الملحة التي ينادي بها كثير من المهتمين بالمصرفية الإسلامية، ونتمنى من هيئة كبار العلماء بالمملكة أن تنشأ لجنة شرعية تعنى بالمستجدات المالية من أعمال مصرفية وتأمين وشركات استثمار ووساطة وتمويل وغيرها من النوازل التي تتطلب إصدار فتاوى جماعية فيها لتقليل التضارب والتعارض في الفتاوى.

* يدعو كثير من الناس إلى توحيد الفتوى. فهل يمكن تحقيق ذلك؟ وما هي الآثار المترتبة في حال تمت تلبية مثل هذه الأمنيات؟

ـ إذا كان القصد من ذلك تعيين جهة واحدة تحتكر الفتوى، ويمنع غيرها من الإفتاء، فهذا غير ممكن، وهو خلاف مقصد الشرع؛ لأن فيه إغلاقاً لباب الاجتهاد لمن توفرت فيه آلته، وإجباراً للمفتين على التقليد، وهذا مرفوض في الشرع، وما زالت الأمة منذ نشأتها يختلف علماؤها وتتعدد آراؤهم وكان في ذلك رحمة للأمة، والواجب أن يضبط مثل هذا الاختلاف وأن يراعى فيه آدابه لا أن يغلق، وأما إذا كان المقصود بذلك إنشاء مؤسسات اجتهاد جماعي تصدر فتاوى في القضايا المستجدة، وتضم في تكوينها فقهاء في الشريعة، وخبراء في المسألة التي يراد إصدار الحكم فيها، ولا تحتكر تلك الجهة الفتوى، فهذا من الأمور المطلوبة، بل من الضروريات ولا شك أن الفتوى التي تصدر من تلك الجهات يطمئن إليها أكثر من الفتاوى الفردية؛ لكونها تصدر بعد دراسات متعمقة ونقاشات مستفيضة، ويوجد حالياً عدد من المجامع الفقهية مثل مجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهيئة كبار العلماء في السعودية، إلا أن هذه المجامع تحتاج إلى أن تواكب المستجدات بشكل أسرع، وأن تبرز قراراتها في وسائل الإعلام بشكل أفضل.

* البطاقات الائتمانيّة أصبحت اليوم ضرورة ملحة لحفظ النقود خاصة في السفر.. ما حكم التعامل أو الشراء بها؟

ـ بطاقات الائتمان كبطاقات الفيزا والماستر كارد والأميركان أكسبرس على نوعين:

بطاقات خصم شهري، وفيها تخصم جميع المبالغ المستحقة على العميل بعد مضي فترة سماح بدون أي زيادة، فهذه البطاقات يجوز استخدامها في الشراء من نقاط البيع بشرط ألا يتضمن عقد البطاقة شرط غرامة تأخير في حال تأخر العميل عن السداد لأن هذا الشرط محرم، ويجوز استخدام هذه البطاقات في الحصول على النقد بشرط ألا يأخذ البنك المصدر على السحب النقدي رسوماً تزيد على التكلفة الفعلية لعملية السحب.

والنوع الثاني بطاقات التقسيط، وفيها تقسط المبالغ المستحقة على العميل على فترات أطول، فهذه البطاقات لا تجوز لأن البنك يأخذ زيادة مقابل التأجيل، وهذه الزيادة من الربا المحرم.

* فيما يتعلّق بسوق الأسهم السعوديّة والشركات المساهمة وعن حكم التعامل فيها؟

ـ اختلف العلماء المعاصرون في حكم الشركات التي أصل نشاطها في أغراض مباحة لكنها تتعامل ببعض المعاملات المحرمة كالاقتراض أو الإيداع بفوائد، فمن العلماء من يرى حرمة المساهمة فيها مطلقاً أو شراء أسهمها، ومن العلماء من يرى جواز الدخول فيها بضوابط معينة، ولعل القول الذي يترجح هو جواز شراء أسهم هذه الشركات بشرطين:

الأول: أن يكون نشاطها في أغراض مباحة كالأغراض الزراعية والتجارية والصناعية والتقنية ونحو ذلك، أما إذا كان في أغراض محرمة فيحرم الدخول فيها مطلقاً، كالبنوك التجارية التي تتعامل بالربا، وشركات التأمين، والإعلام الهابط، والتبغ وشركات بيع الخمور ونحو ذلك.

والثاني: أن تكون نسبة المعاملات المحرمة يسيرة بالنسبة لإجمالي نشاط الشركة، ولا يعني ذلك أن اليسير من المعاملات المحرمة جائز، بل الربا محرم وإن كان يسيراً، وإنما يكون الإثم على من أذن أو باشر تلك المعاملة المحرمة، أما المساهم الذي لم يرض بها فلا حرج عليه إن شاء الله، لأن من القواعد المقررة أن laquo;اليسير مغتفرraquo; وهذه القاعدة لها تطبيقات متعددة في الشريعة في أبواب الطهارة والصلاة والبيوع والأنكحة وغيرها، فإذا نظرنا إلى السهم فإن المعاملة المحرمة مغمورة في نشاط الشركة المباح، وهذا كالنجاسة اليسيرة إذا وقعت في الماء واستهلكت فيه فلا ينجس الماء كله، فيجوز شربه والوضوء به، وكذا السهم إذا اختلط فيه يسير من المحرم فلا يحرم السهم كله. ويجب على المساهم أن يطهر الأرباح التي يتسلمها من الشركة بالتخلص من نسبة الإيرادات اليسيرة المحرمة التي تأتيه منها.

* ما إمكانية توحيد قوائم الشركات المساهمة والتي تعرف بالأسهم المختلطة وغير المختلطة؟

ـ إن إصدار القوائم هو بمنزلة الفتوى؛ لأن من يصدر قائمة بالشركات هو في الحقيقة يفتي بأن هذه الشركات جائزة وتلك الشركات محرمة، والحكم على شركة بأنها جائزة أو محرمة من المسائل الاجتهادية التي تختلف فيها الأنظار، ولا يثرب فيها على المخالف إذا كان قد بذل وسعه في التحري والاجتهاد للوصول إلى ذلك الحكم، وهو إن كان مصيباً في فتواه فله أجران، وإن كان مخطئاً فله أجر واحد، وتوحيد هذه القوائم يقال فيه ما يقال في توحيد الفتوى، فالمفتي إذا كان يعتقد إباحة هذه الشركة أو حرمتها لا يجوز له أن يغير حكمه لأجل أن يوافق رأي غيره، أو لأجل أن تصدر قائمة واحدة، لأنه بذلك يفتي بغير ما يعتقد، والاختلاف في القوائم يرجع في الغالب إلى سبب رئيس وهو الاختلاف في حكم الشركات المختلطة، فمن يرى جوازها تكون قائمة الشركات الجائزة عنده أكثر ممن يرى تحريمها، والمطلوب أن يكون هناك تشاور قبل إصدار هذه القوائم لتحديد ما إذا كانت الشركة مختلطة أم محرمة أم نقية، وهذا التشاور ـ ولله الحمد ـ موجود فقبل إصدار أي قائمة يجتمع المهتمون بهذا الأمر لتقريب وجهات النظر فيما بينهم، والأمر في هذا واسع.