وسط مطالب برفع قيمة المواطن المهنية
انتقادات واسعة لسياسات وزارة العمل الرامية لتعزيز مفهوم المهن المتدنية اجتماعياً

الرياض - بادي البدراني:
quot;ابحث منذ خمس سنوات عن وظيفة مناسبة أكسب منها لقمة عيش تضمن لي ولأسرتي حياة كريمة.. وظائف وزارة العمل جميعها وظائف دنيا لا توفر لنا إلا المزيد من الأسى والفقرquot;. بهذه الكلمات يصف ناصر عبدالله إحباطاته التي تشكل معاناة تجاوزت لحد الآن الخمس سنوات، هي المدة التي لا يزال فيها يتنقل من منطقة إلى أخرى بحثاً عن لقمة العيش.

وخلال تلك المدة طرق ناصر أبواب العديد من مكاتب العمل في المدينة المنورة والقصيم والرياض بحثا عن فرصة عمل، إلا أن النجاح لم يُكتَب لأي من هذه المحاولات.. فالشهادة التي يحملها لا تتناسب ومتطلبات القطاع الخاص والوظائف المعروضة غالبها وظائف دنيا لا يتخطى راتبها ال 1500ريال.

يقول ناصر: quot;أنا مواطن ومن حقي أن أحصل على وظيفة ذات دخل جيد حتى أستطيع من خلالها تأمين متطلبات الحياة.. هذا المرتب لن يساعدني في الزواج أو شراء سيارة أو استئجار منزل.. وأنا لا أملك المال حتى أستطيع تطوير مهاراتي والدخول في دورات تدريبية في معاهد القطاع الخاصquot;.

وتجربة ناصر تختصر معاناة الكثيرين من السعوديين الذين لا يجدون لأنفسهم فرصة عمل تتناسب مع الشهادات التي يحملونها.. فالعديد منهم يعاني من مصاعب في العثور على فرص عمل لهم ليجدوا أنفسهم وقد انضموا إلى أعداد متنامية من العاطلين عن العمل.

وهناك أكثر من نصف مليون شاب سعودي وشابة ينتظرون فرصة عمل جيدة في القطاع الخاص الذي يعمل فيه حوالي 6ملايين من الوافدين وسعيهم في إيجاد حلٍ لمشكلتهم التي تفاقمت مع الأيام، فلا هم قادرون على إكمال دراستهم لظروف مادية ولا هم قادرون على إقناع الوافدين بأن لهم حقا في الحصول على عملٍ مناسب في وطنهم يؤمن لهم العيش الكريم.

ومنذ أن تربع الدكتور غازي القصيبي منصب وزارة العمل، أطلقت الوزارة حملة شاملة للتوظيف في مسعى يرمي إلى إيجاد حل لهذه المشكلة التي تنذر بمشاكل اجتماعية شائكة وخطيرة.

ونسبة البطالة في السعودية قفزت بين من هم في سن العمل الى 12في المائة، حيث أصبح عدد الباحثين عن فرص عمل من السعوديين أكثر من نصف مليون مواطن ومواطنة.

ومن بين آلاف العاطلين عن العمل سجل ناصر اسمه في المشروع الجديد، ولكن حملة الوزارة لم تقدم له مخرجا من دوامة البطالة، مبيناً أن سياسة هذه الحملة اقتصرت في غالبها على الوظائف الدنيا، في الوقت الذي يتربع فيه الوافد على الوظائف المكتبية والإدارية والمواطن يراد له أن يخيط الملابس ويبيع الدجاج حسب قولهquot;.

ويضيف: quot;عندما أعلنت وزارة العمل عن حملتها لتوظيف السعوديين تقدمت لتسجيل اسمي لدى مكتب العمل بالمدينة المنورة، إلا أن وعود المكتب بتوفير وظيفة مناسبة لي أو إلحاقي بدورة للتأهيل كانت غير حقيقيةquot;.

ولا تزال وزارة العمل تواجه تحديات لتطبيق سياساتها الرامية إلى توظيف العاطلين عن العمل، خاصة على السعوديين من حملة الشهادات المتدنية وغير المؤهلين لشغل بعض الوظائف ذات المرتبات الجيدة في منشآت القطاع الخاص.

وأتخذت الوزارة خلال الأعوام الماضية، خطوات جادة نحو تغيير ثقافة العيب بين صفوف المواطنين بهدف مواجهة البطالة والحد من نسبها، حيث سبق وأن أطلقت حملة لتوظيف طالبي العمل، تضمنتها حملة توعوية لتغيير مفاهيم السعوديين تجاه العمل في الوظائف المتوافرة في منشآت القطاع الأهلي.

وزادت تحديات الوزارة إثر إصرار عدد من السعوديين بأن الوظائف المطروحة تعد من المهن المتدنية اجتماعيا وأن مرتباتها لا ترقى بطموحات العاملين فيها، حيث يصل المرتب الشهري لهذه الوظائف نحو 1500ريال.

وتظهر البطالة بوضوح في هواجس الشباب السعودي، حيث ان الآفاق الوظيفية هي أكثر ما يشغل بال الفئات الشابة وخصوصا عدم القدرة على إيجاد فرص عمل على الإطلاق او الخشية من قبول عمل لا يتناسب مع الطموحات المادية والمهنية.

والمجتمع السعودي واحد من المجتمعات العربية الذي تنتشر فيه quot;ثقافة العيبquot; وهي عبارة عن نظرة دونية تجاه بعض المهن وخصوصا اليدوية.. ورغم ان خطط وزارة العمل تشتمل على ضرورة تأهيل المزيد من المهنيين إلا ان العديد من الاسر والشباب لا يريدون العمل إلا في مهن رفيعة.

ويؤكد عدد من الشباب السعودي، أنهم فقدوا الأمل في الحصول على وظائف يستطيعون من خلالها توفير حياة كريمة لهم ولأسرهم، مشددين على أن الوظائف التي تعلنها الوزارة من وقت لآخر تعد وظائف تحمل نظرة دونية في المجتمع ولا تشجع السعوديين للقبول فيها.

يقول شاب آخر: quot;أتساءل عن سعودة القصيبي.. هل هدفها توفير حياة كريمة للمواطنين والشباب الباحثين عن عمل في وطنهم، أم أن تركيزها أن يعمل السعودون عمال تنظيف وحراسا وطباخين وخياطين.. هل هذه الوظائف ومدخولاتها كفيلة بضمان حياة كريمة لنا في ظل ارتفاع الأسعار وارتفاع المستوى المعيشيquot;.

وتابع محمد العامر: quot;هل اقتصرت السعودة على الوظائف الدنيا فقط.. أين الوظائف العليا وأين الخطط لتطوير مهاراتنا والرفع من قيمتنا وظيفياًquot;. والعامر ( 21سنة) يحمل مؤهلا دراسيا ضعيفا أجبره على العمل بوظيفة يقول إنه يشعر بالخجل من العمل فيها، مبيناً أن نظرة المجتمع لمثل هذه النوع من الوظائف جعله يفكر في ترك الوظيفة نهائياً، بجانب قلة راتب هذه الوظيفة الذي لا يتماشى مع الأوضاع المعيشية داخل البلاد.

ووزارة العمل أعلنت أخيرا، أن لديها خطة لتأهيل الشباب السعودي من خلال التنسيق مع المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني لإعداد برامج وفق احتياج القطاع الخاص، وأن الآلية ستكون بأن تتم مقابلة المتقدمين للوظائف في الوزارة ومن يحمل مؤهلا يحول للشركات وفق احتياجاتها ومن لم يكن مؤهلا يتم توجيهه للتدريب والذي سيكون وفق احتياج القطاع الخاص.

ويبدوا أن كثيراً من السعوديين غير متفائلين بجدية الوزارة بتطبيق هذه الخطط وأنها مجرد تصريحات لا أكثر ولا أقل، مرجعين ذلك إلى تردد الوزارة الذي بات جليا في حسم قضية البطالة، حيث تتقدم حيناً وتتراجع أحياناً عن خطوات تعلنها تارة على لسان الوزير وتارة أخرى على لسان مسئوليها الكبار،الأمر الذي يدل على مدى عدم الوضوح الذي يكتنف رؤية وزارة العمل في هذه القضية.

وهذا يعدّ مؤشراً فيما يبدو على ان كثيراً من الشباب السعودي بدأوا يفقدون الثقة في وزارة العمل وفي وعودها المتكررة بتوفير فرص عمل لهم. ويرى مراقبون أن ندرة الوظائف وقلة المرتبات ستظهر معها حالات فقرٍ في بعض الأسر التي تعتمد في دخلها على راتبٍ لا يتجاوز ال 1500ريال، والتي ستقضي على أحلام الشباب بالحصول على البيت والسيارة والزوجة في زمن غَلَت فيه الأسعار.

وشنّ أحد الاقتصاديين فضل عدم الإفصاح عن اسمه هجوماً على سياسات وزارة العمل الرامية إلى توظيف السعوديين في الوظائف الدنيا والمتوسطة، مؤكداً أن هذه السياسات ستجلب كارثة على البلاد في بعض جوانبها، حيث سيصبح السعودي رخيصا في المستقبل، وستكون طموحات العديد من الشباب شغل وظائف لاتحمل أي قيمةquot;.

وقال: quot;نرى الوزارة تصفق بين الحين والآخر لشباب يشغلون وظائف داخل صالونات الحلاقة أو المطاعم أو الخياطة.. الدول المتقدمة تسعى جاهدة لرفع قيمة مواطنيها ووزارتنا تسعى لتعزيز مفهوم الوظائف الرخيصة بين شبابنا والأقل مكانة.. يجب الإسراع بخطط لتأهيل وتدريب السعوديين ووضعهم في وظائف لا ئقةquot;.

وأضاف: quot;لا أعتقد أن أحداً من المسؤولين في وزارة العمل سيسمح لأحد المقربين له العمل بوظائف من هذا النوع.. أحلام كل شخص أن يعمل في بيئة جيدة وراتب مقبول ومكان لائقquot;.

وهذا الرأي، يعارضه آخرون الذين يدعون الى ان يتخلى المجتمع عن تحفظاته وان يقبل السعوديين على ممارسة المهن التي تشغلها حاليا العمالة الوافدة، وأن تتخلى وزارة العمل كذلك عما يوصف بالتنظير وان تقبل على تنفيذ خططها وبرامجها بشكل أكثر كفاءة على ارض الواقع.