حسين العويد

يظهر أن العام 2007 هو عام لا غالب ولا مغلوب. فخلاله لم نستطع تعويض الخسائر التي تكبدتها الأسواق في العام 2006 والهزيع الأخير من العام 2005 على الرغم من كل التحليلات والتطمينات التي صدرت لتحفيز المستثمرين وتشجيعهم على اقتناص العديد من الفرص الاستثمارية التي توفرت في الأسواق.

وفي المقابل فإن العام 2007 لم يسجل أي تراجع كبير في أداء الأسواق وظل يتذبذب صعوداً وهبوطاً تحت وطأة المخاوف والهواجس من حدوث تراجعات كتلك التي حدثت في العامين السابقين. وكانت المحصلة النهائية ان الأسواق لم تشهد الاستقرار الذي كان ينتظره البعض وان كانت شهدت تحسناً في بعض الأحيان ساعد على ترشيد سلوك بعض المستثمرين المحليين من جهة واستقطاب محافظ أجنبية وجدت أسعار بعض الأسهم محفزة ومغرية على الشراء.

ومن المؤكد ان حالة عدم اليقين التي اتسم بها أداء المستثمرين في كثير من الأحيان قد جعلت العام 2007 رمادياً فهو على الرغم من التذبذب الذي ألحق الخسائر بالبعض لم يكن عاماً أسود وهو في المقابل وعلى الرغم من الارباح التي جناها البعض لم يكن عاماً أبيض لأنه لم يعوض هؤلاء عن الخسائر التي لحقت بهم في الأعوام السابقة والتي لا يزال منهم يدفع فواتيرها.

واذا كان العام الذي نودع رمادياً بحساب الأرباح والخسائر، فإنه يظل من أعوام الوفرة الاقتصادية ضمن قياسات اقتصادية أشمل. ففيه وصلت اسعار النفط الى مستويات قياسية لم تصلها في يوم من الأيام وتجاوزت فيها الاسعار عتبة ال 100 دولار للبرميل.

وفي هذا العام استمرت وتيرة تنفيذ المشروعات الخدمية والعقارية والترفيهية بمعدلات عالية تؤكد متانة الاقتصادات العربية وتعكس حجم الطموحات التي تحملها الخطط الموضوعة.

لكن أبرز ما يمكن التوقف عنده هذا العام هو قرار القمة الخليجية الأخيرة في الدوحة الإعلان عن السوق المشتركة والتي تؤسس لكيان اقتصادي خليجي عملاق غني بالموارد والإمكانات والفوائض المالية وعصي على الاضطرابات والقلاقل الأمنية والسياسية. وإذا صدقت النوايا وتوجهت الهمم الى التطبيق السريع لمتطلبات قيام هذه السوق المشتركة فإن العام 2007 سيكون ولا شك عاماً تاريخياً سيذكره الناس حاضراً ومستقبلاً باعتباره محطة بارزة في العمل الخليجي المشترك. وهنا لا بد من التحذير من عواقب الإنصات الى ما تقوله الطبقة البيروقراطية في الدول الأعضاء في مجلس التعاون وهي الطبقة التي تتحمل وزر التباطؤ في تنفيذ الكثير مما كانت تتفق عليه الدول الأعضاء. فالسوق المشتركة بطبيعتها ضد أشكال الروتين الإداري الذي يعوق انتقال الأشخاص والأموال ويقلل حوافز الاستثمار البيئي. فالمستثمر الخليجي الذي انتظر هذه السوق أكثر من ربع قرن لا يريد أن يفاجأ بأن استثماره في أي دولة من الدول الأعضاء يمكن أن يرتب عليه أعباء إدارية أو مالية أكثر من تلك التي يتحملها في وطنه أو أن تفرض على استثماره قيوداً وتحفظات تفرغ السوق المشتركة من أي مضمون حقيقي.

والمطلوب أن تحكم السوق بعبارة واحدة هي أن المواطن الخليجي يعامل في أي دولة عضو معاملة المواطن من دون استثناء أو قيود أو شروط أو رسوم إضافية ولا زيادة في الأوراق الثبوتية. بمعنى نريد سوقاً خليجية مشتركة كتلك التي ينعم بها الأوروبي الذي يتحرك في دول الاتحاد الأوروبي كما لو أنه يتحرك في وطنه الأصلي وتوفر له الضمانات المادية والمعنوية بالكيفية نفسها والحجم الذي توفره الدول الأعضاء لمواطنيها.

جاء تأسيس السوق الخليجية المشتركة دفاعاً استباقياً من دول المنطقة لما يحمله المستقبل القريب من منافسة عالمية ستكون الساحة الخليجية ميداناً رئيسياً لها، وإذا لم تحسن هذه الدول وضع هذه السوق على سكة التنفيذ الفعلي فإن قطار المنافسة القادم سيصل المنطقة قبل أن تتمكن الدول الأعضاء من ترتيب بيتها الداخلي وعندها ستكون اقتصاداتها بمثابة السمك الصغير الذي سيكون فريسة سهلة للحيتان الكبيرة.



خبير مالي من الإمارات