عامر ذياب التميمي

منذ بداية النظام المصرفي في التاريخ الانساني برزت مشكلات الديون الصعبة والتي واجهت الدائنين والمدينين على السواء. وتمكنت الأنظمة المصرفية من خلال تطورها ان تجد حلولاً لهذه الإشكالية المزمنة.. ومثلما يجد المدين صعوبة في تأدية الدين يجد الدائنون مشكلات في تحصيل ديونهم على الآخرين ولذلك لا بد من التعرف إلى وسائل لمعالجة المشكلات المشار اليها. ولا شك في ان الديون غير المخدومة، أي التي لا يتم تسديد أقساطها والفوائد المستحقة عليها، هي نتاج لعوامل عديدة قد تكون ذات صلة بالمدين الذي لا يقوم الدائن بدراسة أوضاعه وإمكاناته بشكل واف للتأكد من مدى قدرته على مواجهة التزاماته. كما ان المشكلة قد تكون ذات صلة بالقطاع أو النشاط الاقتصادي الذي ينتمي له المدين والذي قد يتعرض لركود أو تراجع في الأداء مما ينعكس على إيرادات المدين ومن ثم تتعطل قدرته على الأداء هناك، ايضا ظروف اقتصادية عامة قد تؤثر في مختلف الانشطة الاقتصادية ومن ثم تؤدي الى ركود، واحيانا كساد اقتصادي يحطم كافة الإمكانات الاقتصادية ويدفع إلى حالات من الإعسار أو الإفلاس للعديد من المؤسسات والأفراد بما ينعكس سلباً على نظام التمويل. لكن ما يحدث حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية من مشكلات في القطاع السكني وعدم تمكن الكثير من المقترضين من سداد اقساط وفوائد قروضهم التي أتيحت لهم من أجل اقتناء المساكن هي في الاساس نتاج لتصرفات ادارية في المصارف المعنية، إن قروض ال Subprime، أو القروض التي تمنح للأفراد، أو المؤسسات المعروفين بأنهم أقل جودة في جدارتهم الائتمانية تحسب عليها فوائد أعلى في نسبتها من الفوائد التي تحسب على قروض المتمولين المتمتعين بجدارة ائتمانية جيدة. وحيث ان الفوائد تكون عادة معدومة، اي غير ثابتة، وتحسب على أساس سعر الخصم الذي يعتمد من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي، أو البنك المركزي، فإن اي زيادة في سعر الخصم تؤدي الى ارتفاع كلفة السداد على المقترضين.. لذلك ارتفعت أعداد المقترضين لشراء المساكن في الولايات المتحدة من الذين عجزوا عن السداد بعد رفع سعر الخصم وتقدر مصادر مصرفية ان نسبة المتعثرين في الدفع تصل إلى (22 في المائة) من إجمالي المقترضين من فئة ال Subprime ولا شك في ان هذه نسبة عالية ولا بد ان تدفع السلطات النقدية للشعور بالتخوف على سلامة النظام المصرفي.

كما ان هذه المشكلة تطال الملايين من أصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة والمتدنية وهي لذلك ذات طابع سياسي واجتماعي مهم.

إن المؤسسات المالية في الولايات المتحدة اندفعت خلال السنوات الماضية في عمليات تمويل عمليات شراء المساكن لدرجة قيامها بتقديم القروض لأطراف لم تتم دراسة أوضاعهم المالية للتأكد من قدرتهم على مواجهة الاستحقاقات المترتبة على التمويل هذه الأزمة ليست الأولى في الولايات المتحدة أو في العالم إذ فقدت الكثير من البنوك والمؤسسات المالية أموالاً طائلة نتيجة لسوء التقدير، وليس فقط في عمليات الإقراض العقاري بل في اعمال تمويلية عديدة بما في ذلك تمويل الدول

(Soverign Loans). ويتعين على هذه المصارف وغيرها أن تأخذ مخصصات مهمة تستقطع من أرباحها واذا لم تسعفها الأرباح من الاحتياطات وحقوق المساهمين لمواجهة الديون غير المخدومة تحاول البنوك المركزية ان تضبط هذه الأعمال والأنشطة من خلال وضع معايير وشروط للتمويل ومتابعة التحصيل والتقييم الدوري، إلا أن الأمور لا تضبط في كافة الأوقات. لكن هذه المشكلات يجري علاجها من خلال آليات النظام ووسائل الضبط والتصحيح المعتمد على سياسة البنك المركزي المشرف على الوحدات المصرفية. واذا حدث تدخل حكومي فهو في إطار محدود مثل ما حدث الاسبوع الماضي في الولايات المتحدة بتحديد حد أعلى للفوائد أو تجميد لفترة زمنية لفئات محدودة من المقترضين من أصحاب المداخيل المحدودة أو المتدنية.



باحث اقتصادي كويتي