محمد الصياد

شكل قرار القمة الثامنة والعشرين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عقدت في الدوحة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والذي قضى بإنشاء السوق الخليجية المشتركة اعتبارا من أول يناير/كانون الثاني الجاري الحدث الاقتصادي الأبرز في تاريخ المجلس منذ إنشائه في العام 1981 لأن هذه الخطوة الإجرائية من شأنها، اذا ما وضعت لها آلية تنفيذ اقترحنا ان تكون ldquo;معاهدة الوحدة الاقتصادية الخليجيةrdquo; المتضمنة كافة جوانب النشاط الاقتصادي والاستثماري المفتوحة أمام المواطنين الخليجيين، من شأنها ان تنقل مستوى العلاقات الاقتصادية الخليجية المشتركة من صيغة التعاون إلى صيغة تكاملية أكثر عمقا.

إلا ان إنشاء السوق الخليجية المشتركة لم يكن القرار الاقتصادي الوحيد المنطوي على أهمية خاصة ضمن مجموعة القرارات التي تضمنها البيان الختامي. وإنما كانت هناك قرارات أخرى هامة للغاية جاء اتخاذها بمثابة رسالة واضحة، ولعل من أبرزها:

* توجيه وتكليف وزراء المال ومحافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية باستكمال تحقيق المعايير الدولية والنقدية لتقارب الأداء الاقتصادي بين دول المجلس ووضع برنامج مفصل لاستكمال جميع متطلبات الاتحاد النقدي ورفعه إلى الدورة المقبلة للمجلس الأعلى.

* الأخذ بمرئيات الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى في شأن تعزيز بيئة العمل الملائمة للقطاع الخاص، حيث قرر المجلس الأعلى اعتماد هذه المرئيات بما يضمن معاملة الشركات والاستثمارات الخليجية في دول المجلس معاملة الشركات والاستثمارات الوطنية، وإحالة هذه التوصية إلى اللجان الوزارية المختصة لوضع الآليات اللازمة لتنفيذها.

إن هذين القرارين يمثلان رسالتين مهمتين للغاية وجهتا إلى جهات عدة أهمها:

- المستويات المعنية بالانتهاء من كافة الخطوات القانونية والإجرائية والتوافقية اللازمة لانفاذ القرارين.

- أسواق المال المحلية والعالمية، سواء لجهة تعزيز ثقتها في اقتصادات بلدان مجلس التعاون وأسواقها وتأكيد التزامها الثابت والراسخ تجاه استمرار دعم عملية التكامل على صعيدي الاقتصادات القطرية وغطائها الذي يمثله هنا النظام النقدي الخليجي الموحد والمستقر.

وضع القادة الخليجيون حدا للجدل في شأن مستقبل السياسة النقدية الخليجية في ظل تدهور سعر صرف الدولار الأمريكي المربوطة به العملات الوطنية، أضف إلى ذلك مصير الاتحاد النقدي الخليجي والعملة الخليجية الموحدة على أثر عودة الكويت في مايو/أيار العام 2007 عن الاتفاق الخليجي على ربط العملات الخليجية الست بالدولار الأمريكي اعتبارا من العام 2003 كمرحلة أولى نحو إنجاز الاتحاد النقدي وإصدار العملة الخليجية الموحدة في العام ،2010 وكذلك إعلان سلطنة عمان عن عدم جاهزيتها بعد لمقابلة استحقاق العام 2010 من حيث الالتزام بمعايير الوحدة النقدية المتفق عليها وهي:

- ألا تتجاوز نسبة العجز في الموازنة 3%.

- ألا تتجاوز نسبة الدين العام إلى اجمالي الناتج المحلي 60%.

- ألا تتجاوز نسبة التضخم 2%.

فكان القرار بعدم تغيير تاريخ استحقاق اطلاق العملة الموحدة في العام 2010 والإبقاء على معايير الالتزام كما جرى الاتفاق عليها من دون تغيير، هو عبارة عن تجديد واضح لالتزام قادة دول المجلس بإنجاز هذا الهدف، يتعين على اللجنة الوزارية التي تضم وزراء المال والاقتصاد ومحافظي البنوك المركزية في الدول الأعضاء السير فيه استيفاءً لمعايير الوحدة النقدية، وكذلك اللجان الفنية المعنية بمقاربة مؤشرات الأداء والاتفاق عليها، والتي سيتعين عليها في هذه الحالة إسراع وتيرة عملها للانتهاء من استيفاء معايير الوحدة النقدية في موعدها.

إن التاريخ المضروب ليس مقدسا بالتأكيد، وهنالك أمل ضعيف جدا في قدرة دول المجلس على مقابلته. ولكنه الالتزام من أعلى مستوى صناعة القرار الذي لا بد ان يشكل رسالة إلا أن تحقيق الهدف المنشود باق ولم يغيره اللغط الدائر في شأن موضوعه. واذا لم تتمكن دولة الكويت وسلطنة عمان من مقابلة الاستحقاق في تاريخه فان باستطاعتها فعل ذلك لاحقا كما فعلت اليونان وبريطانيا بالنسبة للانضمام لمنطقة اليورو.

كل هذا جيد بالتأكيد ومقدّر خصوصا لقادتنا الخليجيين الذين أظهروا مرة أخرى التزامهم الثابت الذي لا يتزعزع بهدف الوحدة الاقتصادية الخليجية المنصوص عليه في الاتفاقية الاقتصادية الموحدة.

ولكن هذا لا يمنعنا من تسجيل الملاحظات التالية:

- كمجلس تعاون يتعين علينا ألا نتحول ldquo;لبناء عمارةrdquo; جديدة قبل استكمال البناء في العمارة الأولى. فعلينا الانتهاء أولا من بقية أركان الاتحاد الجمركي ثم البناء عليه للسوق الخليجية المشتركة بما يسهل ترتيبات الاتحاد النقدي.

- من أجل وضع هدف إنشاء السوق الخليجية المشتركة على أرض الواقع، وبما يؤدي إلى تفادي العقبات والقيود غير الكمية التي ستحول ممارستها دون انفاذ الاتفاق الوارد بشأنها في متن البيان الختامي للقمة، واستكمال بقية عناصر البناء المؤسسي للاتحاد الجمركي، ومقابلة استحقاق العملة الخليجية الموحدة، فاننا من جديد نشدد على ضرورة ترقية الأمانة العامة لمجلس التعاون بالتفكير الجدي في تحويلها إلى مفوضية عالية التخويل وواسعة الصلاحيات لكي تتمكن من أداء مهامها وفقا لمعطيات الواقع التكاملي الاقتصادي الخليجي الجديد.



كاتب ومحلل اقتصادي بحريني