الحالة والتوقعات الاقتصادية في العالم لعام 2008
انتعاش أسعار البترول يساعد دول غرب آسيا على تعزيز نموها الاقتصادي

المنامة : حافظت دول منطقة غرب آسيا للعام الخامس على التوالي على معدل نمو اقتصادي زادت نسبته عن 4.5 بالمائة. وقد دفع بهذا النمو ارتفاع أسعار البترول من جانب والطلب العالمي غير المسبوق من جانب آخر. ومن المتوقع أن يشهد عام 2008 نموًا اقتصاديًا إقليميًا فعالاً، بنسبة تبلغ 5.2 بالمائة، حسب ما جاء في التقرير الاقتصادي السنوي للأمم المتحدة تحت عنوان quot;الحالة والتوقعات الاقتصادية في العالم لعام 2008quot;.

ويشير تقرير الأمم المتحدة، والذي صدر اليوم، إلى أن المنطقة تفيد من عائدات انتعاش أسعار البترول، وما تلا ذلك من طلب متزايد عليه. ومن المتوقع حدوث نمو أكبر في الدول المصدرة للبترول، في الوقت الذي عادت فيه أسعار البترول المرتفعة بالفائدة على الدول ذات الأنماط الاقتصادية الأكثر تنوعًا وذلك من خلال الآليات المتنوعة لانتشار آثار النمو الاقتصادي.

كما أضاف التقرير quot;إن الانتعاش الاقتصادي الحالي يتيح فرصة لدول منطقة غرب آسيا. فمع الارتفاع المستمر لأسعار البترول واستقرار مستويات الإنتاج، تستطيع الحكومات أن تستغل تلك الوفرة النسبية لرؤوس الأموال الناتجة عن زيادة أسعار البترول حاليًا في تطبيق مجموعة من التغيرات الهيكلية على بنيتها اقتصادياتها، وهي تغييرات تأخرت في تفعيلها. وذلك بُغية تشجيع تنوع اقتصادي أفضل بما يمثل مصدرًا لتحقيق النمو المستدام وخلق فرص للعمل بشكل أكبر.quot;

بَيد أن التوقعات على المدى المتوسط للمنطقة يخيم عليها تباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، وهو ما قد يحد من الطلب على الشراء ومن ثم يدفع بأسعار البترول وكذلك أسعار باقي الصادرات غير البترولية بالمنطقة إلى التراجع، وفقًا لما ورد في التقرير. كما أن هناك مخاوف من أن يفاقم الضعف الحالي للدولار مما تعاني منه المنطقة من ضغط مستمر بسبب التضخم.

الآثار الإيجابية لامتداد النمو الاقتصادي إلى الدول غير المصدرة للبترول

أدى النمو المتزايد في اقتصاديات الدول المصدرة للبترول إلى ظهور آثار إيجابية امتدت إلى دول أخرى في المنطقة، وتمثلت في زيادة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتحويلات المالية من العمال المغتربين وكذلك إيرادات السياحة. وقد حفزت تلك الآثار الإيجابية غير المباشرة لارتفاع أسعار البترول النمو الاقتصادي في كل من الأردن وسوريا، وبنسبة أقل في لبنان واليمن.

ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة، من المتوقع أن تمثل نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الناتج المحلي الإجمالي في الأردن 13 بالمائة و5 بالمائة في لبنان في عام 2007. وبلغ تمثيل تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة في سوريا 1 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي. في حين ظلت السياحة مصدرًا هامًا للدخل، خاصة في الأردن، حيث ازدادت الوفود السياحية بشكل مطرد خلال السنوات القليلة الماضية. أما في لبنان، والتي تمثل عادة وجهة سياحية رئيسية، فقد تراجعت إيرادات السياحة بنسبة 35 بالمائة خلال النصف الأول من عام 2007 نظرًا لما عاناه الاقتصاد من آثار الحرب مع إسرائيل.

وتظل التحويلات المالية للعمال مصدرًا هامًا للدخل في العديد من هذه الدول. ففي الأردن ولبنان تمثل التحويلات المالية نحو 20 إلى 25 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين تبلغ 35 بالمائة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي واحدة من أكبر النسب في العالم. وقد قامت دول مجلس التعاون الخليجي مؤخرًا باستجلاب المزيد من العمال من دول خارج المنطقة، مما أدى لتراجع نمو تحويلات العمال المالية لدول غرب آسيا الأخرى.

ومن المتوقع أن يشهد نمو الاقتصاد الإسرائيلي زيادة بنسبة 5.1 بالمائة خلال عام 2007 على أن يستقر هذا الاقتصاد خلال عام 2008، مدفوعًا بنمو قوي في الصادرات وزيادة الاستثمارات والاستهلاك المحلي. وقد حققت الصادرات من المنتجات الصناعية ذات التقنية العالية والمتوسطة على وجه الخصوص نموًا كبيرًا. ونظرًا لصلاتها القوية مع الولايات المتحدة (والتي تستقبل 45 في المائة من صادرات الدولة) تظل إسرائيل عرضة للآثار الناجمة عن تباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة. وعلى العكس من لبنان، بدأت السياحة في إسرائيل تتعافى من آثار الحرب الإسرائيلية اللبنانية خلال عام 2006.

كما يُتوقع أن يزداد نمو الاقتصاد التركي بنسبة 5.3 بالمائة خلال عام 2007، ليعقب ذلك انخفاض طفيف خلال عام 2008 ليصل إلى 5 بالمائة.

أنظمة أسعار الصرف وإدارة الاحتياطات الأجنبية موضع الانتقاد

تمتلك معظم الدول أنظمة صرف ثابتة. وتربط معظم دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الحالي، باستثناء الكويت، عملاتها المحلية بالدولار الأمريكي. في حين تواجه دول غرب آسيا تكاليف أعلى لوارداتها باليورو وغيرها من الواردات التي لا يتم شراؤها بالدولار، وذلك بسبب انخفاض قيمة الدولار. وفي حالة استمرار انخفاض قيمة الدولار مع استمرار زيادة التضخم المحلي، فمن المرجع أن تحتل المناقشات حول إعادة تقييم العملات المحلية مركز الصدارة.

ويبدو هذا الجدل الدائر وثيق الصلة بما يجري في هذه الآونة، حيث يتعين على حكومات البحرين والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات أن تقرر ما إذا كانت ستستمر في خططها لإنشاء وحدة مالية بحلول عام 2010. فقد تقرر هذه الدول تأجيل ذلك التاريخ المحدد، متبعة في ذلك نهج سلطنة عمان في نهاية عام 2006 حيث قررت الانسحاب من خطة العُملة الموحدة.

وتُعد الإدارة السديدة لاحتياطيات الصرف الأجنبي موضوعًا ذا صلة. فالدول المصدرة للبترول في المنطقة مازالت على نهجها في شراء الصكوك المالية في الولايات المتحدة وفي شراء صناديق الحماية بالدولار خارج الولايات المتحدة. ويزداد إجمالي الاحتياطيات المالية الرسمية في المنطقة بدرجة هائلة وكان من المتوقع أن تبلغ 400 مليار دولار في عام 2007.

وبشكل تقليدي، يتم الاحتفاظ بالاحتياطيات الأجنبية لأغراض وقائية، مثل الدفاع عن تعويم سعر الصرف وخدمات الدين وتأمين الواردات. إلا أنه إذا وضعنا في الاعتبار أسعار الصرف الثابتة في دول التعاون الخليجي والدين المنخفض جدًا والثروة الهائلة، فإن الحاجة للاحتفاظ باحتياطيات صرف أجنبية كبيرة جدًا لأغراض وقائية يظل موضع تساؤل.

ويجب النظر إلى خطط الاستثمار التي تم الإعلان عنها مؤخرًا في مجلس التعاون الخليجي والتي بلغت 700 مليار دولار بين عامي 2006 و2010 كمؤشر إيجابي. كما سيتم ضخ استثمارات جديدة في مشاريع كبيرة متنوعة، وينبغي أن تدفع تلك المشاريع نحو نمو اقتصادي أكبر حجمًا. فالمملكة العربية السعودية تخطط لإنشاء العديد من المدن الكبيرة التي ستزيد من نطاق النمو ليتخطي العاصمة. كما تقوم الإمارات العربية المتحدة، والتي تنخفض فيها نسبة مساهمة البترول في الناتج المحلي الإجمالي بشكل مطرد، بإجراء إصلاحات لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاعات السياحة والعقارات والتصنيع.