د.فهد الفانك

البنك المركزي مؤسسة مهنية وفنية متخصصة ومؤهلة لإدارة السياسة النقدية ، وليست دائرة سياسية ، يجوز تسييسها أو الضغط عليها لتقوم بأعمال معينة خدمة لأهداف سياسية وكسب الشعبية.

نقول ذلك بمناسبة تنصيب البعض أنفسهم كمعلمين وموجهين للبنك المركزي عندما يحاولون أن يفرضوا عليه سياسات نقدية معينة ، مثل فك ارتباط الدينار بالدولار وربطه بسلة عملات ، بقصد رفع سعر صرف الدينار عما هو عليه اليوم.

يأخذ هؤلاء وجهة نظر جانبية تتحدث عن كون الأردن بلداً مستورداً ، وبالتالي فإن رفع قيمة الدينار يخفض أسعار المستوردات ، ولا يقولون أن احتياطي البنك المركزي من العملة الأجنبية هو الذي سوف يتحمل الفرق لو أخذنا باقتراحهم ، أي أنهم يطالبون بتوظيف البنك المركزي لدعم المستوردات ، ولفرض ضريبة على الصادرات ، مما يؤدي لزيادة العجز التجاري ، والتأثير سلباً على تنافسية الصادرات الأردنية في الأسواق الخارجية.

رفع قيمة الدينار ليصبح أقوى من الدولار ، هو الإجراء الذي يمكن أن تقوم به الدول ذات الفائض التجاري كالكويت ، وليس تلك التي تعاني من العجز كالأردن.

صحيح أن رفع قيمة الدينار تفيد الأردنيين الذين يسوحون في الخارج ، ويفيد الوافدين الذي يحولون دخولهم إلى بلدانهم ، ولكنه يلحق الضرر بالسياحة الأجنبية الواردة إلى البلد ، وبالمغتربين الأردنيين الذي يحولون مدخراتهم إلى البنوك الأردنية.

النقد المتداول والودائع بالدينار لدى البنك المركزي البالغة عدة مليارات من الدنانير هي ديون أو التزامات على البنك المركزي ، ورفع قيمة الدينار يعني خسائر كبيرة في ميزانية البنك المركزي يجب على الخزينة أن تغطيها.

قلنا سابقاً ونكرر اليوم أن ضعف الدولار وانخفاض قيمته تجاه العملات العالمية الرئيسية في السنوات الأخيرة كان بالنسبة للأردن نعمة لا نقمة ، لأنه شكل تعديلاً كان وما زال مطلوباً في اقتصاديات الأردن ، ودفعه باتجاه تقليص العجوزات في الموازين المختلفة.

يتساءل أحدهم ماذا لو أصبح الدولار بخمسة وستين قرشاً بدلاً من 71 قرشاً ، والجواب أن البنك المركزي يخسر حوالي 9 بالمائة من مجموع النقد المتداول والودائع بالدينار لديه ومجموع المعاملات التي يعقدها الأردن مع العالم الخارجي وتزيد عن أربعة مليارات من الدنانير ، وهو شكل آخر من أِشكال الدعم غير المبرر لنشاطات لا تستحق الدعم ، وعقوبة لنشاطات مطلوب تشجيعها ، واعتداء على المال العام وعلى المنطق الاقتصادي.