منير يونس
كثر الحديث عن دخول اموال اجنبية اضافية الى سوق الكويت للاوراق المالية. ما من احد حتى الان يمكنه تحديد حجم الاموال التي دخلت او تلك المرصدة لغرض شراء اسهم كويتية. لكن الاكيد ان عدة بنوك وشركات مالية استثمارية عالمية ابدت اهتماما بالغا ببورصة الكويت لاسيما بعد اعلان اعفاء المستثمر الاجنبي في البورصة المحلية من الضريبة. وهذا الاهتمام تجلى بعدد من التصريحات المباشرة كما من خلال عدد من التقارير (نشرت laquo;القبسraquo; عددا منها) التي تناولت سوق الكويت بمفاصله الاساسية وبالتركيز على المغريات فيه.
إذا، نحن على اعتاب مرحلة جديدة لم نشهد لها مثيلا من قبل. وبدأت ارهاصات هذه المرحلة بالتواتر على وقع ارتفاع مؤشرات السوق بشكل لافت مطلع 2008 على نحو غير متوقع.
واذا كانت بورصة الكويت عاشت ردحا طويلا من الزمن تتغذى من سيولة وتطلعات وتوقعات وقرارات وامزجة المستثمر المحلي فقط ومعه الخليجي احيانا، فهي الان بصدد التعاطي مع معطى جديد مختلف نوعا وكما عما تعودت عليه ودرجت العادة فيه.
للمستثمر الاجنبي، لاسيما البنوك والمؤسسات المالية العالمية، قواعد لعبة تتقاطع حينا مع الممارسات المحلية وتختلف احيانا كثيرة مع تلك الممارسات وفي هذا الصدد جملة ملاحظات يمكن سردها كالآتي:

سياسة
1 ndash; في الجانب السياسي، لا يمكن للمستثمر الأجنبي أن يكون بنفس حساسية المحلي إزاء مخاضات الخلافات بين السلطتين، فما قد نراه نحن تأزيماً يراه الآخرون شكلاً من أشكال الديموقراطية التي لولاها لما كان إقبال من خارج الحدود ربما.
أمن
2 ndash; في المقابل، فإن حساسية الأجانب إزاء الأوضاع الأمنية أكبر بكثير من تلك التي لدينا. فإذا كنا نهتم حيناً ونتجاهل أحياناً معظم التطورات الجيوسياسية والأمنية المتفاقمة إقليمياً من حولنا، فإن المستثمر الأجنبي سيكون أكثر يقظة في هذا الصدد، وهو قد يكون أقرب إلى مراكز القرار الغربي بحيث تصله المعلومة أقل تشويشاً مما تصلنا، وبالتالي يبني على الشيء مقتضاه دخولاً أو خروجاً من الأسواق.
سيكولوجيا

3 ndash; ليس في المال الأجنبي أي مزاج خاص يتجاوز حدود العائد. فلا عامل نفسيا يتأرجح ذات اليمين وذات اليسار، ولا مطبات سيكولوجية غير مبررة كما يحصل لدينا أحياناً.
إشاعات
4 ndash; سيكون تأثير الاشاعات محدوداً في سلوكيات المال غير الكويتي، لأن laquo;أهلهraquo; لا يرتادون الدواوين ولا يتعاطون بـ laquo;المسجاتraquo; ولا يعبأون كثيراً بأخبار بروباغندا عن صفقات مليارية ورقية، ولا يكترثون لتسريبات جل همها رفع الأسعار، كما لا يثقون بتقارير وردية للغاية أو سوداوية بالمطلق لأنهم يمتلكون ما يكفي من الأدوات الخاصة بهم يعتمدون عليها.
مجاملات
5 ndash; انهم لا يشترون سهماً لمجرد انه ينتمي إلى مجموعة ذائعة الصيت، أو وراءه مستثمر صانع سوق، أو لأن المجموعة التي ينتمي إليها السهم تواطأت بتجميع كثيف يخلق حركة غير عادية أو لمجرد بث خبر عن الشركة.
انتقاء
6 ndash; الشراء سيكون مركزاً وانتقائياً لاسيما أسهم الشركات التي فيها جرعات شفافية كبيرة. وهنا قد نخص بالذكر البنوك اولا لانها ملتزمة بمعايير اقرب الى العالمية ويراقبها البنك المركزي عن كثب، كما انها تحرص على تصنيفاتها الممنوحة من مؤسسات عالمية. كما ان البنوك اقرب القطاعات الى قبول تطبيق الحوكمة والادارة الرشيدة. وبياناتها المالية مدققة على قدر من التفاصيل والبنود والشروحات التي يجد فيها المستثمر اجوبة على بعض ما يبحث عنه.
والى جانب البنوك، هناك الشركات التي تعتمد اولا واخيرا على التشغيل وتنتج سلعا وخدمات وتنمو بارباحها التشغيلية وتتوسع عموديا سواء قطاعيا او جغرافيا. ولا يعني ما سبق ذكره ان المستثمر الاجنبي (لا سيما المؤسساتي) لن يكترث بالشركات الاخرى، لا بل هو ينظر مليا في قطاع الاستثمار لاختيار الافضل، حيث ان في الكويت شركات استثمارية باتت على درجة من الاحتراف تؤهلها لجذب اهتمام البنوك والمؤسسات المالية الاجنبية، وهناك عدة امثلة حية على ذلك علما ان تلك الشركات الجاذبة للاهتمام قد لا يزيد عددها على عدد اصابع اليد الواحدة.. او اليدين على الاكثر من اصل 43 شركة.
مضاربة
7- قد لا يكون الهم الاول للمؤسسات الاجنبية المضاربة اليومية ورصد الشاشة على مدار ساعات التداول لتحقيق فلس من هنا وخمسة من هناك ثم الخروج بخفي حنين بمكاسب سريعة. واذا كنا لا نقول ان الاجانب مستثمرون للاجل الطويل، فانت قد تراهم اطول نفسا من كثير من مستثمرينا (من غير كبار الملاك).. وربما كان العائد المتوقع من التوزيعات مدار اهتمام كالاهتمام بالمتاجرة ان لم يكن اكثر.
تقييمات

8- تجري المؤسسات الاجنبية تقييمات دورية لاسعار الاسهم على اسس فنية مالية متقدمة وتنشر تقارير بذلك، وهي غير معنية بمراعاتها هذا السهم او ذاك لانه تابع لشركة المالك الاكبر فيها من كبار القوم، كما لا يتورعون عن التوصية بالبيع جهاراً نهاراً من دون خجل او وجل اذا تيقنوا ان السعر السوقي اعلى من السعر العادل، او ان الشركة غير نامية كفاية، او وراء الاكمة ما وراءها.
بالمقابل، ما من حرج في التوصية بالشراء عند التقييم السليم المؤشر الى رخص السعر السوقي قياساً بالنمو لا سيما في الارباح والتوزيعات.
إفصاح
9- سنرى كيف سيتصرف الاجانب بالنسبة للافصاح، فما من اجندات خفية كثيرة لديهم كما لدى البعض ههنا. فاذا تحصل لديهم ما يستوجب الافصاح سنرى كيف سيتصرفون، ولعل السائد سيكون كما هو حيث هم في الاسواق المتقدمة.. اي افصاح سليم في الوقت الضروري.

تحول
10- قد نشهد في المديين المتوسط والطويل تحول مستثمرين محليين من شركات واساليب تعودوا عليها منذ زمن الى الدخول في محافظ وصناديق اجنبية للاستثمار في السوق المحلي. عندما يحصل ذلك ستجد شركات استثمار نفسها امام تحديات لم تكن محسوبة لدى البعض منها. وهذا يشكل حافزا لمزيد من التطوير وانتهاج اساليب اكثر مهنية مالياً.

سيف
11- لا شك في ان الاستثمار الاجنبي سيف ذو حدين احياناً. فاذا تعاظم وبدا له وجوب الخروج سريعاً لسبب او لآخر، فاننا معنيون بتعبئة الفراغ الذي ستتركه هذه الاموال التي سميت بـlaquo;الساخنةraquo; واثرت في اسواق ناشئة اخرى على نحو كبير (كما حصل في ماليزيا وبعض دول شرق آسيا، والمكسيك وروسيا خلال السنوات العشر الماضية). اما كيفية تعبئة الفراغ فهي برسم صناع السوق اذا كان هناك من صناع او برسم الهيئة العامة للاستثمار.
قطيع
12- عندما تنجذب المؤسسات الاجنبية الى شريحة معينة من الاسهم ستخلق طلبا على هذه السلع سرعان ما يكبر بتصرف قطيع، وفي ذلك مدعاة للتفكير في مصير الاسهم المضاربية الصغيرة التي هي ملح المستثمر المحلي عادة.
فاذا سرقت الاسهم الممتازة والثقيلة والتشغيلية الاضواء من المضاربية فان السوق سيكون مختلفا عما هو عليه الان، حيث تتركز معظم قيم التداول احيانا في سلع لا يحل عليها بيع ولا شراء بل لمجرد انها مضاربية.
ماكرو ميكرو
13- ستكون البنوك والمؤسسات المالية الدولية معنية باصدار المزيد من التقارير ماكروميكرو اقتصادية الى جانب تقارير تقييمات الاسهم، وهنا سيتسنى لنا المقارنة مع تقارير محلية لنعرف ما اذا كنا كالزوج المخدوع ام ان المصدر المحلي للتقارير على قدر من الحيادية والرؤية الثاقبة والتحليل الموزون.
خلاصة
14- امامنا فرصة لنرى انفسنا في مرآة صنعها متقن غير مخدوشة ولا مشوشة، لمعرفة مدى جمالنا او بشاعتنا، ومعرفة درجة سماكة المساحيق التي نستعملها وما اذا كانت ناجعة او فاجعة، لمعرفة التخمة التي تملأ اجسامنا او النحول الذي يرهقنا.. هل هي ساعة الحقيقة؟!
.. ان غدا لناظرة قريب!