صالح الشهوان
آراء عديدة طرحها الزملاء الكتاب هنا في quot;الاقتصاديةquot; وفي غيرها من الصحف حول حل إشكالية معادلة ارتفاع أسعار النفط والغلاء والتضخم.. معالجات اقتصادية ومالية وفنية، تكاد تجمع كلها على أنه كلما زادت أسعار النفط زاد الغلاء وزاد معدل التضخم، حتى بات الناس في حيرة من أمرهم بين فرحهم بارتفاع سعر النفط والخشية منه. وصار عامة الناس حتى ممن لا يفقهون في علم الاقتصاد سوى عدد النقود التي في جيبوهم متابعين لما يطرأ على بورصة النفط من ارتفاع أو انخفاض غير قادرين، في الوقت ذاته، على فهم كيف يمكن لزيادة في سعره أن تعمل ضد ما في جيوبهم؟!
سمع المواطن عن فك ارتباط الدولار بالريال وعن سلة العملات وعن رفع قيمة الريال وعن تعديل سعر الصرف وعن زيادة الرواتب وعن الدعم وعن... ولم يفهم شيئا.. قرأ مقالات من قيل عنهم أصحاب رأي يعتد به فما فك طلاسم اللغة وما استطاع أن يجد طريقه بين ضجيج آراء بعضها يناقض بعضا.. فلكل وجهة نظره ولكل وصفته وعلاجه.. الشيء ذاته سمعه في تحليلات برامج الحوارات الفضائية حول اقتصاد يقال له إنه يمر بطفرة غير مسبوقة وبلاد تشهد تنمية شاملة غير أنها تعيش في الوقت نفسه، أزمة غلاء، تضخم، أزمة في الإسكان، جنون في أسعار العقارات علاوة على بطالة وتوعك لسوق المال سبقه انهيار مدوٍ قبل نحو عامين.
بصارون، وضاربو ودع وقراء فناجين أو أبراج أعملوا مهاراتهم في وضعنا الاقتصادي قالوا فيه وأعادوا القول، ومع ذلك ظل المواطن إزاء هذا الفيض الكتابي والحواري التنظيري غير قادر على التشبث بهذه الحجة أو تلك، فهل يعقل أن كل هذه الوجاهات القيادية في إدارة السياسة الاقتصادية، هذه القدرات الأكاديمية، هذه العقول والخبرات، هذه الغرف التجارية، هذه المنتديات الاقتصادية أعجزها أن تآخي بين quot;كينزquot; وquot;آدم سميثquot; وquot;ريكاردوquot; وغيرهم من جهابذة علماء الاقتصاد وتؤلف بين رؤاهم وتجد لنا مخرجاً؟! ما العلة في هذا quot;الحيص بيصquot;؟ أتراها مجرد سجالات انطباعية تجنح للعاطفة أكثر من العقلانية؟ أم أنها حولاء تنظر بعين المصلحة الذاتية ولا تفكر على مستوى الاقتصاد الوطني ككل؟
طبعاً ليس الأمر كذلك، فمهما كانت هناك نشازات أو أهواء خاصة، فالسجالات توحي بأن أصحابها، أو لنقل بعضهم، أمعنوا التفكير وتأملوا في واقع اقتصادنا، وفي سياسات مؤسساته ومكونات ثروتنا الوطنية واستثماراتنا ودخلنا الإجمالي وآليات التعامل مع كل ذلك.. نهضت كتاباتهم أو أقوالهم على أسس علمية معرفية وخلفيات موضوعية فيها تجارب وخبرات غيرنا من الشعوب ممن واجهوا القضايا ذاتها التي نجابهها اليوم أو ما يشابهها فقدحوا من كل ذلك خلاصة ما يرون وما يعتقدونه!!
إذاً، لدينا قدر كبير من الفكر الاقتصادي الجاد، ومن التناول والطرح والمقاربات المعقولة لمعالجة إشكالات اقتصادنا بيد أنها، مع الأسف، بقيت مجرد مقالات أو مقولات خارج الاحتواء والفاعلية والتوظيف العملي لها ففقدت جدواها وأهمية كونها جادة ونابعة من وطنية حقة!
ولكي يفهم المواطن، ويستفيد الوطن مما قيل وطرح فإن الأمر يتطلب مبادرة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني إلى عقد دورة خاصة عن اقتصادنا يدعو لها المعنيون والمختصون في المجال الاقتصادي ممن كانت لهم إسهامات بارزة متميزة، بحيث تعد أوراق عمل وتعقد لها جلسات تنتهي إلى وضع برنامج عمل وليس توصيات توضع على الرف وأن يراجع هذا البرنامج ويمحص من قبل الأساتذة المشاركين ويبلور بشكل صارم ونهائي ثم يرفع به إلى المقام السامي.. بذا يكون حصاد سجالاتنا غير حبر على ورق وإنما خريطة طريق أو منهج إجرائي تتولى إنفاذه، بعد إقراره، مؤسساتنا الاقتصادية في القطاعين العام والخاص.. فنتخلص من ورطة إعادة إنتاج مقولاتنا واجترارها ونقلع عن غواية لعبة الصدى إلى الهدف المنشود: الحفاظ على التقدم والاستقرار الاقتصادي للوطن ومواطنيه!!