عبدالرحمن البريدي

عندما بدأ التضخم كان يزحف ببطئ وكأننا لم نشعر بذلك بل بدأ كالحلم وأصبح واقعاً نعيشه بكافة فئات المجتمع مما جر الأسعار لتحلق معه لترتفع يوماً بعد يوم وأصبح التأثير ضخماً خاصة على أصحاب الدخل المحدود والمعدمين وهذه الفئة هي العظمى في مُجتمعنا فهاهو التضخم وصل إلى 4.4 % ومرشح للصعود ولن تجد الأسعار مانعاً من التحليق معه ولا نعلم إلى أين ستحطُ قافلة التضخم ولا نعلم كيف سيكون مصير الفقراء وأصحاب الدخل المحدود والمحظوظ منهم من حصل على مكافأة الضمان الاجتماعي والتي قد تصل لـ 2.300 ريال شهرياً والتي لا تكفي لتسديد مصاريف السكن أو الكهرباء أو الأطفال في المدارس أو للأكل خاصة مع ارتفاع الأسعار... إلخ وماذا سيكون مصير أصحاب الأسر الكبيرة والمعدمين مع ارتفاع تكاليف المعيشة؟

وارتفاع الأسعار لم تشمل سلعة بعينها وليس الحديث عن ارتفاع أسعار مواد الكهرباء أو السباكة أو الأسمنت أو الكماليات ولكن صاحب الدخل المحدود ليس مُهتماً بهذا فلا يستطيع شراء أرض ولو في الصحراء فلقد أصبحت مملوكة وتباع بأسعار خرافية ولا يستطيع شراءها مما اضطره للتفكير بقوته واحتياجات أسرته اليومية. ألا يوجد لدى الاقتصاديين أو الجهات المعنية حلول ومعالجة قضية ارتفاع مُعدلات التضخم؟

أرغب في إبداء بعض الإجراءات والتي قد تسهم في رفع معاناة المواطن مع الزيادة في الأسعار والتي يمكن تصنيفها إلى إجراءات على المدى القصير وأخرى على المدى الطويل. أولاً على المدى القصير وهي على النحو التالي:

أولاً: رفع رواتب جميع موظفي القطاعين الحكومي والخاص بما لا يقل عن 30% نظراًً إلى أن الزيادة في الأسعار كانت متفاوتة ولكن المُعدل العام يتراوح بين 30-40% ومن إيجابيات هذا الخيار حل سريع مما يُمكن الحكومة استخدامه عاجلاً لهذه القضية ولكن من سلبياته على المدى الطويل قد يُثقل ميزانية الحكومة ولكنه خيار استراتيجي لمعالجة أحوال المواطنين.

ثانياً: نظراً لوجود خبرة سابقة لدى الحكومة بدعم بعض السلع الغذائية كالرز والحليب وذلك قد يُمكنها من القيام بدعم المستلزمات اليومية والضرورية التي يحتاجها المواطن بشكل مُستمر خاصة السلع الغذائية وبعض مُستلزمات الأطفال.... إلخ والتي قد يُلاحظ ارتفاع في أسعارها على أن يتم بيعها لاحقاً على كافة شرائح المجتمع على أن تكون أسعارها موحدة ومحدده مُسبقاُ.

ولكن الخيار الأول والثاني لهما سلبيات وإيجابيات فمن السلبيات أنهُ لا يحقق مبدأ العدالة الاجتماعية أو حتى الاقتصادية بين فئات المجتمع حيث إن هناك تفاوتاً في دخل المواطنين مما قد يزيد التفاوت بين كافة شرائح المجتمع ولكن يمكن حل هذه القضية بأن تكون الزيادة في الرواتب تبدأ من 30%-50% على أن تصرف 30% لأصحاب الدخل العالي و50% لأصحاب الدخل المنخفض ومنها أيضا أن ذلك قد يُثقل كاهل ميزانية الحكومة بصرف هذه المبالغ أو دعم هذه السلع لكافة فئات المجتمع ولكن من إيجابياتها أنهما يقدمان حلاً عاجلاً وسريعاً للحكومة قبل أن تتفاقم مشاكل المواطن الاقتصادية والاجتماعية هذا بالإضافة إلى أن الاقتراح الثاني لدى الحكومة خبرة سابقة في ذلك من خلال دعم عدد من السلع الغذائية مما قد يُسهل ويُعجل بهذا الحل.

ثالثاً: يُمكن تحديد شريحة مُعينة من المجتمع من أصحاب الدخل الشهري المُتدني والذين حرمهم الوضع الحالي من شراء العديد من احتياجاتهم وعلى سبيل المثال لو تم اختيار من دخلهم يقل عن خمسة آلاف ريال شهرياً ومنحهم بطاقة يمكن أن يُطلق عليها بطاقة تموين مخفضة على أن تمنحهم هذه البطاقة المواد التموينية الضرورية بأسعار منخفضة وهذا الخيار سيحميهم من ارتفاع الأسعار وهذه الطريقة تستخدم من قبل الحكومة البريطانية لعدد من مواطنيها حيث تم تحديد الأشخاص الذين دخلهم السنوي يقل عن ثمانية عشر ألف جنيه إسترليني كأصحاب دخل محدود يُقدم لهم العديد من التسهيلات من خلال توفير المسكن وخدمات أخري من المجلس البلدي ويحصل أبناؤهم من خلال المدارس أو الجامعات على عدد من التسهيلات والإعاشة المجانية والدعم قد يصل إلى ثلاثة آلاف جنيه سنوياً. ولكن تطبيق هذا الخيار قد يحتاج لفترة زمنية للدراسة وكيفية التطبيق ومن الأشخاص الذين يستحقون هذا الدعم وحصر أعدادهم ولكن لو أُعد هذا الخيار بشكل صحيح سيخدم فئة أصحاب الدخل المحدود والأعباء المالية على ميزانية الحكومة ستكون أقل من الخيارين السابقين.

أما بالنسبة للإجراءات على المدى الطويل والتي يُمكن استخدامها مما قد يُخفف من وطأة زيادة الأسعار لو حدثت مستقبلاً فهي على النحو التالي:

أولاً: إنشاء جمعيات تعاونية تسمح بعمل شراكة بين كل من الحكومة والقطاع الخاص أو حتى يُمكن للمواطن الدخول فيها كمُساهم ويُمكن الاستفادة من خبرة الكويت وتجربتها بإنشاء جمعيات استهلاكية أو تعاونية والتي يستطيع المواطن شراء احتياجاته منها وبأسعار مناسبة مُضاف إليها ربح هامشي بسيط وليس كما لدينا يقف المواطن محتاراً بين تضارب الأسعار وأي المحلات أرخص ألا يوجد لدينا جمعيات تسمح للمواطن بارتيادها وقد يصبح شريكاً أساسياً فيها مما يحسن دخله ويدعم الاقتصاد؟

ثانياً: الموردون وأصحاب المحلات الكبيرة سواء الجُملة أو القطاعي وكيف يُمكن لهم أن يصبحوا منتجين سواء من خلال امتلاك مصانع أو يكون لديهم تعاملات مع بعض المصانع وهذه الفكرة مُطبقه في عدد من الدول المتقدمة مما يسمح لهم بوضع أسمائهم على هذه المنتجات وقد تجد أسعارهم أقل من المنتجات الأخرى بما قد يصل إلى 60% فعلى سبيل المثال نجد أسواق تيسكو البريطانية تبيع الأرز الهندي بسمتي المستورد حجم 2 كجم بسعر 4.50 جنيهات، بينما منتج تيسكو يباع بسعر 1.70 جنيه وهذا يسمح لهم بأن يصبحوا منتجين ويستطيعوا السيطرة على تلاعب المنتجين بدلاً من العكس على أن يُراعى أن هذا الخيار قد لا يتناسب مع ذوق بعض الأشخاص حيث إن ذلك قد يُغير نمط المعيشة المُعتادة للمواطنين ولكن ذلك قد يتناسب مع دخل الفرد وقدرته الشرائية.

ثالثا: عندما بدأت الأسعار ترتفع لدينا لم نكن متأكدين إذا كان هناك ارتفاع حقيقي في الأسعار أو لا. عدد من الدول طبقت عدة طُرق كان من أهمها تشكيل فرق لمراقبة الأسواق من خلال زيارات شهرية لعدد من الأسواق على أن يتم عمل مقارنة بين كل زيارة وأخرى وإعطاء تقرير دوري مُفصل عن كل فترة زمنية محددة على أن يتضمن هل هناك مواد تعرضت للارتفاع أو لا يوجد، مكان الأسواق التي تمت مراقبتها، الطريقة التي اتبعت لمراقبة الأسواق، تواريخ زيارات هذه الأسواق..... إلخ.

رابعاً: نعلم أن الاقتصاد الأمريكي من أقوى الاقتصادات في العالم وفي حالة فك ربط الريال بالدولار قد يزيد الآثار على اقتصادنا لذا ترغب حكومتنا في إبقاء الربط ولكن الدرس المستفاد من هذه الأزمة لابد من التفكير وبجديه بإيجاد بعض الحلول والاقتراحات وكيف يُمكن لنا فك ربط الريال بالدولار مما يسمح لنا بربطه بسلة عُملات وقد يكون من ضمنها الدولار.
وفي الختام، نعلم أن حكومتنا الرشيدة لن تألو جهداًً في رفع المُعاناة عن المواطن مما يحسن معيشته هو وأسرته ويكفل لهما حياه مستقرة.

* كاتب سعودي