د. جاسم حسين
أشار تقرير الحرية الاقتصادية لعام 2008 والصادر من قبل مؤسسة (هيريتاج فاونديشن) وصحيفة quot;وول ستريت جورنالquot; الأمريكتين إلى استمرار سيطرة اقتصادات الدول الواقعة في منطقة جنوب شرق آسيا على مؤشر الحرية الاقتصادية. فقد حصلت مقاطعة هونج كونج (الصينية) على المرتبة الأولى تلتها مباشرة سنغافورة في تقرير الحرية الاقتصادية لعام 2008.
معايير المؤشر
تؤمن كل من مؤسسة quot;هيريتاج فاونديشنquot; وصحيفة quot;وول ستريت جورنالquot; ذات التوجهات المحافظة بضرورة تحديد دور الحكومة في الشؤون الاقتصادية وجعلها تهتم بأمور مثل إصدار القوانين والسهر على تطبيقها. في المقابل يتطلب الصواب منح مؤسسات القطاع الخاص الدور الرئيس في الاقتصاديات المحلية. ومرد ذلك أن الشركات الخاصة تهتم بتحقيق الربحية ما يعني ضرورة منح الزبائن قيمة مقابل أموالهم، الأمر الذي يخدم الدورة الاقتصادية في نهاية المطاف. ويتمثل اعتقادا المؤسسة والصحيفة أن وجود القطاع العام في الاقتصاد يعد أمرا سلبيا في حد ذاته، وفي العادة يكون على حساب الحرية الممنوحة للقطاع الخاص. على سبيل المثال، يشكل حصول الحكومة على قرض من البنوك مزاحمة الأفراد والشركات في الحصول على التمويل.
يعتمد تقرير الحرية الاقتصادية على عشرة متغيرات من الحرية الاقتصادية وهي: 1) تأسيس الأعمال. 2) التجارة مثل حجم الرسوم المفروضة على الواردات. 3) السياسة النقدية مثل مستوى الضرائب. 4) التدخل الحكومي في الاقتصاد. 5) السياسة المالية مثل التضخم والتحكم في الأسعار. 6) الاستثمارات الأجنبية. 7) النظام المصرفي والتمويل. 8) حقوق الملكية. 9) الفساد. 10) الحرية في توظيف وتسريح العمال.
أفضل النتائج
كما أشرنا حققت اقتصادات منطقة جنوب شرق آسيا أفضل النتائج على مستوى العالم فيما يخص مفهوم الحرية الاقتصادية, فقد حافظت هونج كونج على موقعها كأفضل كيان لممارسة النشاط الاقتصادي, حيث يعد اقتصادها حرا بأكثر من 90 في المائة. كما استمرت سنغافورة في المحافظة على المركز الثاني دوليا، إذ يعد اقتصادها حرا بنحو 86 في المائة. إضافة إلى ذلك, تضم قائمة أكثر الاقتصادات تحررا كل من: إيرلندا وأستراليا والولايات المتحدة في المراتب: الثالثة والرابعة والخامسة على التوالي. المؤكد أن الرابط المشترك بين هذه الاقتصادات هو الرغبة في تنشيط الدورة الاقتصادية بواسطة تبني نظام السوق ما يعني تشجيع المنافسة.
في المقابل, تعد كوريا الشمالية أسوأ دولة في العالم في مجال الحرية الاقتصادية، إذ يعد اقتصادها حرا بنسبة 3 في المائة فقط. كما يلاحظ أن بعض دول الاتحاد الأوروبي نالت مراتب متأخرة نسبيا. فقد حلت فرنسا في المرتبة رقم 48 على مستوى العالم نتيجة سيطرة المذهب الاشتراكي على الاقتصاد الفرنسي، فضلا عن وجود دعم من الحكومة لبعض القطاعات الحيوية مثل الطيران. ربما يحدث تغيير في الفترة المقبلة نظرا لسياسات الرئيس نيكولاي ساركوزي الرامية إلى إفساح المجال أمام مؤسسات القطاع الخاص مقابل تقليص دور القطاع العام في الاقتصاد.
أداء دول مجلس التعاون
حافظت البحرين على سجلها كأفضل دولة في مجلس التعاون الخليجي على مؤشر الحرية الاقتصادية، حيث حلت في المرتبة رقم 19 على مستوى العالم ما يعني تحسن ترتيبها بواقع 20 مرتبة. حسب التقرير، يعد الاقتصاد البحريني حرا بنسبة (72.2 في المائة) أي أفضل من عام 2007 عندما حققت حرية اقتصادية بنسبة 68.4 في المائة. وقد حصلت البحرين على أفضل نتيجة في معيار السياسة النقدية (نحو 98 في المائة) وذلك في ضوء عدم وجود ضرائب على الدخل والأرباح. أما أسوأ نتيجة (40 في المائة) فكانت من نصيب حرية العمالة على خلفية إلزام المؤسسات بتوظيف المواطنين.
وحلت الكويت في المركز الثاني خليجيا والمرتبة 39 على مستوى العالم. وجاء ترتيب عمان في المركز الثالث خليجيا والمرتبة 42 عالميا, ثم السعودية (المرتبة 60) فدولة الإمارات (المرتبة 63)، وأخيرا قطر (المرتبة 66).
فرصة تحسين المراتب
الملاحظ عدم إحراز دول مجلس التعاون مراتب متقدمة في مؤشر الحرية الاقتصادية. وتكمن المشكلة الرئيسة في الدور الكبير الذي يلعبه القطاع العام في جميع الاقتصادات الخليجية على حساب القطاع الخاص. أيضا هناك ظاهرة عدم وضوح بعض القوانين فيما يخص عملية الاستيراد الأمر الذي يشكل انتقاصا لمبدأ الشفافية. المطلوب من دول مجلس التعاون الخليجي دراسة ما جاء في التقرير والوقوف عند نقاط الضعف لغرض وضع حلول ناجعة لها. بمقدور دول المجلس تحسين تصنيفها العالمي وذلك بتحرير المزيد من القطاعات الاقتصادية وفتحها أمام المنافسة الإقليمية والدولية.
يشار إلى أن تقرير الحرية الاقتصادية يعتمد في جانبه على أداء الاقتصادات في بعض التقارير الدولية الأخرى مثل مدركات الفساد الصادر من قبل منظمة الشفافية الدولية. تعرف منظمة الشفافية الدولية quot;الفسادquot; على أنه سوء استعمال الوظيفة في القطاع العام من أجل تحقيق مكاسب شخصية. الأمل كبير في أن توظف دول مجلس التعاون الفوائض المالية التي تحققت على خلفية ارتفاع أسعار النفط في تحرير اقتصاداتها.
التعليقات