فيما يجهد بعض أكبر الدول المنتجة للنفط للبقاء كدول مصدرة
الاكتشافات تجعل البرازيل وجهة مهمة لكبار صناعة النفط

ريو دي جانيرو، البرازيل : فيما يجهد بعض أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم، من بينها المكسيك وإيران، للبقاء كدول مصدّرة، تنتقل البرازيل إلى الجهة المقابلة. فقد يؤدّي اكتشاف حقل نفط ضخم تحت الماء العام الماضي إلى تحويل الدولة الكبرى في أميركا الجنوبية إلى مصدّر ضخم وإلى منحها مقعداً على طاولة المنظمة النفطية العالمية. وقد يجعل النفط الجديد، شأنه شأن مشاريع تكرير تقوم بها بتروبراس (شركة النفط الوطنية)، من البرازيل مصدّراً كبيراً للبنزين أيضاً، فتضيف بذلك إلى المخزونات في الدول التي يسهل فيها بناء محطّات تكرير جديدة. ويُحدث الحوض الذي يحتوي على توبي، وهو حقل جديد تحت الماء يُقدّر أنه يحتوي على ما يقارب 5 إلى 8 مليارات برميل من النفط الخام الخفيف، ضجّة كبيرة بين جدران شركات النفط الكبيرة في العالم. فقد واجهت هذه الشركات مصاعب كبيرة مؤخراً في العثور على مشاريع ضخمة تستحقّ الاستثمار، حتى مع بلوغ النفط سعر مئة دولار للبرميل الواحد.ويعتبر توبي أكبر اكتشاف نفطي في العالم منذ اكتشاف حقل النفط الذي يحتوي على 12 مليار برميل في كازاخستان عام 2000.


بيد أن حديث الحكومة البرازيلية عن تشديد شروط الاستثمار للاستكشاف البحري الجديد قد يحدّ بسرعة من الحماسة الدولية، لا بل تتحدّث البرازيل عن مقارنات مع بوليفيا وفنزويلا، وهما دولتان أميركيتان جنوبيتان أمّمتا أقساماً من صناعة الطاقة لديهما في السنوات الأخيرة. مع ذلك، بقيت البرازيل أكثر انفتاحاً للاستثمار الأجنبي من هاتين الجارتين، وشجّعت شركات النفط الدولية مثل أكزون موبيل وشل وشفرون على دفع مليارات الدولارات في التنقيب البحري، بالرغم من غياب النجاح حتى الآن. وحتى لو طلبت بتروبراس المساعدة من شركات نفط ضخمة أخرى سيحتاج استخراج النفط من توبي إلى حلّ صعوبات تقنية شائكة وإلى تنفيذ مشروع على مستوى لم تجرّبه من قبل. ومن غير المتوقّع الحصول على كميات النفط التجارية الأولى قبل مرور سبع سنوات.


ويقول جوسيه سيرجيو غابريللي، الرئيس التنفيذي لبتروبراس، إنه متفائل أن الشركة يمكنها تطوير النفط بمساعدة خارجية ضئيلة. وقال غابريللي في مقابلة أجراها هنا في الأسبوع الماضي: quot;نظنّ أننا نستطيع استخراج النفط أسرع مما اعتقدنا في البداية. ولا نعتقد أننا نواجه صعوبة لا يمكن تخطّيها من الناحية التكنولوجية.

والجدير بالذكر أنه منذ عقد خلا، كانت فكرة أن البرازيل ستصبح دولة ذاتية الاكتفاء من ناحية الطاقة صعبة المنال، فكيف بالحري دولة مصدّرة، وذلك حتّى في مدينة ريو المشمسة حيث تقع بتروبراس. وقد تأسست بتروبراس منذ خمسة عقود كشركة تجارية بالأساس لاستيراد النفط من أجل دعم اقتصاد البرازيل المتنامي الذي أصبح الآن الاقتصاد العاشر في العالم، ويدعم أكثر من 185 مليون نسمة. بيد أنه منذ عامين، حتى بدون توبي، بلغت البرازيل هدفها الذي لطالما نشدته، ألا وهو الاكتفاء الذاتي، وذلك عبر توسيع مواردها المحلية من الوقود الأحفوري بشكل جزئي وعبر تطوير صناعة إيثانول ضخمة باستعمال قصب السكر. وأصبح هدف بتروبراس اليوم رفع معدّل إنتاج النفط الخام البرازيلي بمئة ألف برميل في اليوم سنوياً على الأقل.

ومع توبي، ترتفع مخزونات البرازيل المؤكدة التي تبلغ 12.2 مليار برميل إلى نحو 17.2 مليار برميل، ما يضعها أمام كندا (17.1 مليار برميل) والمكسيك (12.9 مليار)، وبين الصين ونيجيريا على الصعيد العالمي، وذلك تبعاً لدراسة بي بي للطاقة العالمية. أما فنزويلا فتملك نحو 80 مليار برميل من المخزونات المؤكدة. وبسبب النمو الاقتصادي السريع وإنتاج النفط المتضائل في الدول الغنية بالنفط مثل إندونيسيا والمكسيك وإيران تتأثر الكمية التي يمكنها بيعها إلى الخارج، فيضيّق ذلك على سوق النفط العالمية. وفي بعض الحالات، تدعم حكومات هذه الدول البنزين بقوّة في بلادها، ما يؤدّي إلى تشجيع العادات التبذيرية.


ولكنّ البرازيل، مع اقتصاد ينمو بسرعة، تبيع الوقود لمواطنيها بسعر السوق. كما أن الجهد الكبير الذي امتد على ثلاثة عقود لتحويل قصب السكر إلى إيثانول جعل البرازيل المستهلك الأكبر للوقود البيولوجي المستخرج من النباتات في العالم. وتفرض الحكومة أن يحتوي البنزين على 25 بالمئة من الإيثانول على الأقل، وأن تحتوي كلّ محطّة وقود على مضخّة واحدة على الأقل تضخّ الإيثانول الصافي.


ويضع برنامج الإيثانول المتنامي البرازيل في وضع افضل للاستفادة من ثروات توبي النفطية. وقد قال غابريللي إن بتروبراس تتوقع أن يرتفع استعمال الإيثانول مع ازدياد عدد السيارات التي تستخدم الوقود المرن. وأضاف: quot;سنحظى بالمزيد من البنزين للتصدير مقارنة باليوم، لأن الإيثانول سيستبدل قسماً من البنزين.quot; وتبيع بتروبراس نحو 90 بالمئة من من منتجاتها المكرّرة في السوق البرازيلية. وللحرص على مستقبل البرازيل كدولة مصدّرة تبني بتروبراس معملَي تكرير جديدين من المتوقّع أن يبدآ بالعمل في العامين 2010 و2014. وسيرفع هذا الأمر قدرة التكرير بنسبة 40 بالمئة تقريباً. كما استثمرت الشركة في وحدات ستوسّع إنتاجها من النفط الخام لتصل إلى الديزل، ناهيك عن إنفاق 8.6 مليار دولار لتخفيف إنتاج الكبريت في 11 معمل تكرير.


بيد أن الصعوبة الكبرى ستكون في تطوير توبي ليصبح حقل إنتاج كبير. إذ يقع الحقل على عمق 7.2 كلم تحت سطح المحيط، ولبلوغه على بتروبراسعبور 2100 متر من الماء، ثمّ حفر على عمق 5180 متراً بين الرمال والصخور وطبقة ضخمة من الملح تمتدّ على طول مئات الكيلومترات.

ويتوقّع بعض المحلّلين أن يكلّف تطوير توبي أكثر من 20 مليار دولار، وهذا تقدير لم يؤكّده غابريللي. والجدير بالذكر أن منصّات الحفر نادرة في العالم، وتصل كلفة تشغيلها إلى 600 ألف دولار للسفن الكبرى. ويقول غابريللي إن المهمة الكبيرة الأولى تقوم على إيجاد منفذ للكميات الهائلة من الغاز الطبيعي الموجود في حقل توبي الذي يقع على بعد 320 كلم تقريباً عن الشاطئ. ونظراً لصعوبة بناء أنابيب غاز من موقع بعيد كهذا، تفكّر بتروبراس في بناء معامل غاز طبيعي سائل عائمة أو تربينة عائمة تعمل بالغاز لتوليد الكهرباء.

ولنقل النفط إلى الشاطئ سيحتاج المهندسون إلى العثور على طرق مبدعة لإبقاء الأنابيب دافئة وإلى تطوير غلافات أقوى للآبار بغية مقاومة تأثير التآكل الملحي. والنفط الجديد الذي اكتشفته بتروبراس وشركائها ndash; من بينها بي جي البريطانية ndash; في حوض سانتوس حيث يقع توبي دفع الشركة إلى الحدّ من إنفاقها في أفريقيا وخليج المكسيك لضخّ المزيد من المال في تطوير مخزونات البرازيل.

ويبدو أن اكتشاف توبي قد غيّر النفسيّة بين ليلة وضحاها في البرازيل. وقد وبّخ هوغو شافيز، الرئيس الفنزويلي، الرئيس لويس إناسيو لولا دا سيلفا وأطلق عليه اسم quot;عملاق نفط.quot; أما دا سيلفا فقد أعلن أن هذا الاكتشاف برهان على أن quot;الله برازيليquot;، وأقسم أن برازيل ستحاول الانضمام إلى quot;أوبكquot; في غضون سنوات. ويتناقض نهوض بتروبراس بقوة مع تدهور شركة النفط الكبيرة الأخرى في أميركا الجنوبية، الا وهي بتروليوس دي فنزويلا، أي شركة النفط الوطنية في فنزويلا التي تعرف باسم PDVSA. وفي حين بلغت بتروبراس مستويات إنتاج لا سابق لها، انخفض إنتاج PDVSA منذ انتخاب شافيز عام 1998. وكان شافيز قد اتخذ إجراءات أشبه بتأميم أجزاء من الصناعة الفنزويلية عبر أما دا سيلفاأفرض شروط أكثر صرامة على شركات النفط الأجنبية.

ويقول غابريللي إن بتروبراس ستتفادى الطريق التي اتبعتها فنزويلا وبوليفيا. وأضاف أنه يفضّل تطبيق شروط أقسى للحوض الذي يقع فيه توبي، وهذا ما يدرسه الكونغرس البرازيلي. بيد أنه يقول إن بتروبراس سبق وخاضت أخطار تنقيب كبيرة، ما يجعل المخاطرة أصغر بكثير للشركات الخارجية لكي تكمل التنقيب في البحر. وأضاف أن معظم الدول المنتجة للنفط المهمة، وليس تلك التي تدّعي الطموحات الاشتراكية فحسب، تفرض شروطاً صارمة على شركات النفط الأجنبية، لا سيما في الأوقات التي يكون فيها سعر النفط مرتفعاً. ويقول عن الأرباح المحتملة التي ستنتجها شركات النفط الكبيرة: quot;بعد الاكتشاف الذي قمنا به، أصبح الأمر بمثابة شراء تذكرة يانصيب رابحة.quot;
خدمة نيويورك تايمز